ومنهم من كان يكتب اسم السورة وكونها مكية أو مدنية، ويكتب عدد آياتها في آخرها وقد اختلف العلماء في ذلك فأجازة قوم بكراهة وآخرون بلا كراهة وهذا هو الراجح.
ما يجب على كاتب المصحف وناشره
تمهيد:
هل يجب إلتزام الرسم العثماني في كتابة المصحف الشريف، أم يجوز أن يكتب حسب القواعد العامة للإملاء؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال ثلاثة:
القول الأول:
أنه لا يجب إلتزام الرسم العثماني بل تجوز كتابة المصحف حسب القواعد الإملائية العامة ... ممن أيد هذا القول وانتصر له ابن خلدون، والقاضي أبو بكر الباقلاني في آخرين.
القول الثاني:
أنه يجب كتابة المصحف لعامة الناس على القواعد الإملائية المعروفة لهم ولا يجوز كتابته لهم بالرسم العثماني، وممن جنح إلى هذا صاحب البرهان وشيخ الإسلام العزيز بن عبد السلام.
القول الثالث:
أنه يجب إلتزام الرسم العثماني في كتابة المصاحف وإلى هذا ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف
أدلة القول الأول:
استدل اصحاب هذا القول بأدلة ثلاثة:
1 - أن هذه الخطوط والرسوم ليست إلا علامات وأمارات فكل رسم يدل على الكلمة، ويفيد وجه قراءتها فهو رسم صحيح وكاتبه مصيب
2 - أن كتابة المصحف على الرسم العثماني قد توقع الناس في الحيرة والإلتباس، والمشقة والحرج، ولا تمكنهم من القراءة الصحيحة السليمة فيحرمون من الحصول على الثواب الموعود به على تلاوة القرآن الكريم، وربما يتعرضون للعقوبة ولاإثم إذا قرؤوا قراءة غير صحيحة، فينبغي كتابة المصحف حسب قواعد الإملاء الحديثة تيسيرا على الناس، ورفعاً للحرج والمشقة عنهم، وتمكينا لهم من القراءة الصحيحة.
3 - وليس في الكتاب العزيز، ولا في اجماع الأمة ولا في قياس شرعي، شيء يحتم على من يريد كتابة مصحف أن يكتبه برسم معين، وكيفية مخصوصة، لذلك لم يرو عن الرسول الأعظم أنه أمر أحدا من كتاب الوحي حين كتابته أن يكتبه برسم خاص، ولا نهى أحدا عن الكتابة بهيئة معينة
أدلة القول الثاني:
واستدل أصحاب هذا القول بأن كتابة المصحف بالرسم العثماني يوقع الناس في المشقة والحرج ويقضي بهم إلى التغيير في كتاب الله تعالى بالزيادة فيه أو النقص منه
قالوا: ومع هذا يجب الاحتفاظ بالرسم العثماني لأنه من آثار سلفنا فلا نتغاضى عنه بالكلية مراعاة لجهل الجهلاء بل يبقى في أيدي العارفين الذي لا يخلو زمان من وجودهم.
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له كتاب يكتبون الوحي، وقد كتبوا القرآن كله بهذا الرسم، وأقرهم الرسول على كتابته، وانتقل الرسول الى الرفيق الأعلى وقد كتب القرآن على هذه الكيفية المخصوصة، لم يحدث فيها تغيير ولا تبديل، ثم تولى الخلافة بعده أبو بكر فكتب القرآن كله في الصحف على هذه الهيئة، ثم جاء عثمان فنسخ المصاحف العديدة من صحف أبي بكر وكتبها كلها على هذا الرسم أيضا، ووزعها على الأمصار لتكون إماما للمسلمين. ولم ينكر أحد من الصحابة على أبي بكر ولا عثمان، بل ظفر كل منهما بإقرار جميع الصحابة لعملهما، ثم جاء عصر التابعين، والأئمة واتباع التابعين، والأئمة المجتهدين، ولم يثبت أن أحدا منهم حدثته نفسه بتغيير رسم المصاحف، وكتابتها برسم آخر يساير الرسم المحدث، بل طل هذا الرسم منظورا إليه بعين التقديس والإكبار في سائر العصور المختلفة والأزمان.
وإذا كان هذا الرسم قد حظي بإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة واتفاق التابعين واتباعهم والأئمة المجتهدن عليه فلا يجوز العدول عنه إلى غيره. خصوصا وأنه أحد الأركان التي تنبني عليها صحة القراءة
وإليك نصوص أئمة الدين وأعلام الإسلام في ذلك:
روى السخاوى أن مالك بن أنس إمام دار الهجرة سئل أرأيت من استكتب مصحفا أرأيت أن يكتب على ما استحدثه الناس منه الهجاء اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى
قال السخاوي: والذي ذهب إليه مالك هو الحق إذ بقاء الحالة الأولى إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى بعد الأخرى ولا شك أن هذا هو الأخرى إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولية ما في الطبقة الأولى.
¥