وإذا طرحنا عليه سؤال بماذا اهتديت إلى هذا الفعل؟ فإنه سيجيب بنفس الآية { ... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ... } هذه بينات و هدى من البينات استدل بها على الفعل و مشروعية الفعل.
وهذا من حيث أنه برهان من ربكم ونوراً مبينا، يعنى الآيات البينات هدى و هي التي دلته على الفعل و يعنى انه آية بينة مبينة اثبت بها دليله على الفعل.
و البرهان تعريف لجميع ما يحمل صفة آية (بينة و مبينة) سواء كان في كتاب الله أو في غير كتاب الله واما القرآن و السنة الصحيحة شريعة و افعال العباد في العبادات لا تقاس الا عليها ونضع تعريف.
القران:- هدى و بينات من الهدى، نتبث به صحة الفعل أو بطلان الفعل.
البرهان:- بينات مبينات، نتبث به الدليل على الفعل.
مثال قوله تعالى { ... لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ... } [يوسف: 24] ويعني بالرؤية الخارقة البينة و المبينة التي دلته على الباب الذي كان يقف عنده العزيز، فاهتدى إلى الفعل فاتجه إليه.
من خلال هذا التعريف لكلمة قرآن و كلمة برهان سوف نفهم أن شاء الله ماذا أراد الله في قوله عن يد وعصا موسى عليه السلام مرة آيه ومرة برهان.
قال الله تعالى (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) [القصص: 31]
قال تعالى عن اليد (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) [القصص: 32].
ففى قوله تعالى اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ هذه آية بينة مبينة؛ ويعنى انها دليل على فعل يستعمله موسى في حالة وجود الرهب.
ثم اشار الى اليد و العصا بقوله تعالى فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ هنا جمع اليد مع العصا في كونهما برهانان من ربك؛ ويعنى أن العصا و اليد آية بينة مبينة لماذا؟
لأن اليد و العصا كانت تحمل نفس الصفة آية بينة ومبينة.
البينات: تحول العصا الى حيه تسعا و تحول اليد بيضاء من غير سوء.
المبينات: العصا استعملت للفعل في انفلاق البحر و في تلقف ما صنعوا السحرة و في انفجار الماء من الحجر واليد استعملت في ازالة الرهب من قلب موسى عليه السلام.
أقول والله ورسوله أعلم أن الفهم الذي نخرج به من خلال هذه الآيات أن في ذكر العصا واليد أنها برهانان يعني به الاستعمال الشخصي لسيدنا موسى عليه السلام فذكر في الآية الأولى طريقة استعمال العصا من حيث كونها آية بينة معجزة.
ثم ذكر اليد وبين لموسى عليه السلام طريقة استعمالها الشخصي بأن يسلك يده في جيبه والسلك إدخال الشيء في الشيء أي عند إدخال اليد في الجيب وإخراجها من الجانب الثاني تخرج بيضاء ثم يضمم إليه جناحه يزول عنه ما يجد من الرهبة في قلبه و يعنى بذلك عند الذهاب لمواجهة فرعون وملئه و الرهب يمنع صاحبه من المواجهة إذا علم بقوة خصمه.
مثال في قول الله عز وجل (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60] و إعداد القوة لا يشترط استعمالها ولكن يبعث الرهبة في نفس العدو ويمنع المواجهة معه.
والرهبة شعور نفسي يحدث بناء على العلم بقوة المقابل، و يمنعك من مجابهته،
والخوف واقع يقيني يحدث بسبب فعل ما و هذا الفعل يوجب العقوبة، ويمتنع الخائف بالاختفاء وعدم الظهور امام خصمه.
لذلك جاء طلب الأمن من الخوف بعد منع الرهب عنه فقال موسى عليه السلام (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ) [القصص: 33] وذكر العلة التي توجب عليه العقوبة.
¥