تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتهجين ِ (18) أمرِهم، بعثَ إلى أكثمَ بن ِ صيفي ٍّ، وحاجب ِ بن ِزُرَارة َ التميميين، وإلى الحارثِ بن ِعُبَادٍ، وقيسِ بن ِ مسعودٍ البكْريين، وإلى خالدِ بن ِ جعفرَ، وعلقمة َ بن ِ عُلاثة َ، وعامرِ بن ِ الطُّفَيل ِ العامريين، وإلى عمرو ِ بن ِ الشَّريد ِ السُّلَميِّ، وعمرو ِ بن ِمَعْدِ يكربَ الزبيديِّ، والحارثِ بن ِ ظالم ٍ المُرِّيِّ. فلما قدموا عليه في الخورنق ِ، قالَ لهم: قد عرفتُم هذه الأعاجمَ، وقُرْبَ جوارِ العرب ِمنها، وقد سمعتُ مِن كسرى مقالاتٍ تخوَّفْتُ أنْ يكونَ لها غَوْرٌ، أو يكونَ إنما أظهرَها لأمرٍ أرادَ أن يتخذ َ به العربَ خَوَلاً كبعض ِ طَمَاطِمَتِه (19) في تأديتِهم الخراجَ إليه (20)، كما يفعلُ بملوكِ الأمم ِ الذين حولَه، فاقتصَّ مقالاتِ كِسرى وما ردَّ عليه. فقالوا:

أيها الملكُ - وفقك اللهُ - ما أحسنَ ما رددتَ، وأبلغَ ما حججْتَه به! فمُرْنا بأمرِك، وادعُنا إلى ما شئتَ. قالَ: إنما أنا رجلٌ منكم، وإنما ملكتُ وعززتُ بمكانِكم، وما يتخوفُ من ناحيتِكم، وليسَ شيءٌ أحبَ إليّ مما سددَ اللهُ أمرَكم، وأصلحَ به شأنَكم، وأدامَ به عِزَّكم. والرأيُ أنْ تسيروا بجماعتِكم - أيها الرَّهْط ُ- وتنطلقوا إلى كسرى، فإذا دخلتم نطَقَ كلُّ رجلٍ منكم بما حضرَه، ليعلمَ أنّ العربَ على غيرِ ما ظنَّ أو حدثتْه نفسُه، ولا ينطقُ رجلٌ منكم بما يُغضبُه، فإنه مَلكٌ عظيمُ السلطان ِ، كثيرُ الأعوان ِ، مُتْرَفٌ مُعْجَبٌ بنفسِه. ولا تنخزلوا (21) له انخزالَ الخاضع ِ الذليل ِ، وليكنْ أمرًا بين ذلك تظهرُ به وثاقة ُ حلومِكم، وفضلُ منزلتِكم، وعظمة ُ أخطارِكم. وليكنُ أولُ مَن يبدأ ُ منكم بالكلام ِ أكثمَ بنَ صيفيٍّ، لسَنِي مَحِلِّه، ثم تتابعوا على الأمرِ مِن منازلكم التي وضعتُكم بها. وإنما دعاني إلى التَّقْدِمَةِ بينكم عِلمي بميلِ كلِّ رجلٍ منكم إلى التقدُّمِ قبلَ صاحبِه، فلا يكونَنَّ ذلك منكم فيجدَ في آدابِكم مَطْعَنًا، فإنه ملكٌ مُترفٌ، وقادرٌ مُسَلطٌ. ثم دعا لهم بما في خزانتِه من طرائفِ حُلل ِ الملوكِ كلُّ رجل ٍ منهم حُلة ً، وعَمَّمَه عِمَامة ً وختمَه بياقوتةٍ، وأمرَ لكلِّ رجلٍ منهم بنجيبةٍ مَهْرِيَّةٍ (22) وفرسٍ نجيبةٍ، وكتبَ معهم كتابًا:

أما بعدُ، فإنّ الملكَ ألقى إليّ مِن أمرِ العربِ ما قد عَلِمَ، وأجبتُه بما قد فهمَ، بما أحببتُ أنْ يكونَ منه على علم ٍ، ولا يتلجلجُ في نفسِه أنّ أمة ً منَ الأمم ِ التي احتجزتْ دونَه بمملكتِها، وحَمَتْ ما يليها بفضل ِ قوتِها تبلغُها في شيءٍ منَ الأمور ِ التي يتعزز ُ بها ذوو الحزم ِ والقوةِ والتدبيرِ والمَكِيدة ِ، وقد أوفدْتُ - أيها الملكُ - رَهْطاً منَ العربِ لهم فضلٌ في أحسابِهم وأنسابِهم، وعقولِهم وآدابِهم، فليسمع ِ الملكُ، وليغمُضْ عن جفاءٍ إنْ ظهرَ مِنْ منطقِهم، وليكرمْني بإكرامِهم، وتعجيل ِ سراحِهم، وقد نسبتُهم في أسفلِ كتابي هذا إلى عشائِرهم".

فخرجَ القومُ في أهْبَتِهم، حتى وقفوا ببابِ كِسرى بالمدائن ِ، فدفعوا إليه كتابَ النعمان ِ، فقرأه، وأمرَ بإنزالهم إلى أنْ يجلسَ لهم مَجْلسًا يسمعُ منهم. فلما أنْ كانَ بعدَ ذلك بأيامٍ

أمرَ مَرازبَتَه (23) ووجوهَ أهل ِ مملكتِه، فحضروا، وجلسُوا على كراس ٍ عن يمينِه وشمالِه، ثم دعا بهم على الوِلاءِ (24) والمراتبِ التي وصفَهم النعمانُ بها في كتابِه، وأقامَ الترجمان َ (25) ليؤديَ إليه كلامَهم، ثم أذنَ لهم في الكلام ِ.

فقامَ أكثمُ بنُ صيفيٍّ فقالَ:

يتبع بإذن الله.

* العقد الفريد 1/ 101.


1 - الريف: أرض فيها زرع و خصب، والسعة في المأكل والمشرب.
2 - محلتهم: حلَّ المكان وبه يحل بالكسر والضم.
3 - لبُوسًا: دروعًا.
4 - حُق: حُقَّ لك أن تفعل كذا، وحققت أن تفعله بمعنىً.
5 - دنيًا: تقول العرب: هو ابن عمي دنيًا (بضم الدال وكسرها مع التنوين) أي: لحمًا.
6 - الناب: الناقة المسنة.
7 - بلاغه: البلاغ هو: الكفاية.
8 - حموله: الحمول والأحمال جمع حمل.
9 - الفلذة: القطعة من الشيء.
10 - الجزع: (بفتح الجيم وكسرها) الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض تُشبه به العيون.
11 - رغمه: الرغم الذل.
12 - وَلْث: عهد.
13 - يغلق رهنه: غَلقَ الرهن: استحقه المرتهن، وذلك إذا لم يفتك في الوقت المشروط.
14 - تخفر: خفر به، وأخفره أي: نقض عهده وغدره.
15 - غائلة: شرًّا.
16 - الوطث: الضرب الشديد بالرجل على الأرض.
17 - هو سيف بن ذي يزن.
18 - تهجين: تقبيح واستهجان، والهجنة من الكلام: ما يعيبه.
19 - طماطمته: رجل طمطم و طمطمي (بكسر الطاءين، وطمطماني (بضمهما): في لسانه عجمة.
20 - كان الفرس يعفون عرب الحيرة من دفع الإتاوة مقابل أن يقوموا بحمايتهم من كل غارة من نواحيهم.
21 - تنخزلوا: الانخزال مشية في تثاقل.
22 - مهرية: البعير والفرس إذا كانا كريمين عتيقين، والمهرية: نسبة إلى مهرة بن حيدان (حي ٌّ تنسب إليه الإبل النجيبة).
23 - مرازبته: جمع مرزبان (بفتح الميم وضم الزاي) وهو الرئيس من الفرس.
24 - الولاء: التتابع والتوالي مصدر (والى).
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير