تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويقول في الأبيات التالية: هو لبيب وكرامته جمعت مع عقله وهو جواد، إذا ما ركب إليه محتاج وجد عند مالك العطاء والخير، وهو يهتزّ ويبشّ للكرم حين يبخل الكرماء إلى غير ذلك من الصفات الشريفة، ثمّ يتذكر أُنْسَهُ مع أخيه ويشبه ملازمتهما بملازمة ندماني جذيمة ويذك تفرقها دليلاً على تفرق كلّ صديق ثم يستسقي لقبرها

ومن أحسن ما قيل في رثاء الأخ وأروعها قول الخنساء في أخيها صخر في قصائد مختلفة منها:

قَذَىً بعينكَ أَمْ بالعينِ عُوّار=أَمْ أَقفرتْ إِذْ خَلَتْ مِن أهلِها الدارُ

كأنَّ عيني لذكراهُ إِذا خَطَرَتْ=فيضٌ يسيلٌ على الخدينِ مِدْرارُ

وفي موضع آخر تلتمس وتستمد من عينيها لتبكيا على أخيها صخر الذي يكون جواداً كريماً وسيد قومه وأيضاً يكون شجاعاً بطلاً. ها أنّ هذه الأبيات تصور الأحاسيس الرقيقة لأُخت محزونة في رثاء أخيها تصويراً دقيقاً رائعاً وهذه هي الأبيات:

أَعينيَّ جُودا ولا تَجمدا=ألا تبكيان لصخرِ النَّدى

أَلا تبكيانِ الجريءَ الجوادَ=أَلا تبكيانِ الفتى السيدا

طويلُ النَّجادِ رفيعُ العما=دِ سادَ عشيرتَهُ أَمردا

ومنها رثاء الزوج ولكن مع كثرته نقتصر بذكر نماذج قليلة منه. نقل مؤلف العقد الفريد عن الهلالي بأنه قال: تزوج محمد بن هارون الرشيد لبانة بنت علي بن ريط وكانت من أجمل النساء فقتل محمد عنها ولم يبن بها، فقالت ترثيه:

أبكي على سيد فُجعت به=أَرملني قبل ليلة العرس

وقالت امرأة من بني حنيفة ترثي يزيد بن عبداللّه بن عمرو الحنفي:

أَلا هلك ابن قُرّان الحميدُأخو الجليّ أبو عمروٍ يزيدُ

وهذان النوعان ي

عتبران عن مراثي النساء ويظهر فيها أسلوب المرأة في الرثاء من بكاء صاحبها لاحسانه عليها وكرامته في الناس إلى غير ذلك من ألوان النباهة التي تدعو الهمّ وتثير الحزن في موته.

ومنها رثاء الشاعر أو الراثي نفسه:

نقل مؤلف العقد الفريد عن ابن قتيبة: بلغني أنّ أوّل من بكى على نفسه وذكر الموت في شعره يزيدُ بنُ حذاق فقال:

هَل للفتى من بناتِ الدَّهْرِ من واق=ِأم هل له من حمام الموت من واقى

ثمّ

يذكر موته ودفنه بأيدي من خير قومه حسباً وتقسيم أمواله من طريف وتالد بين الوراث وإعلان ناعيه خبر موته. أو بعبارة أخرى يذم في قصيدته الدنيا، فيتخيل ما سيصنع به أهله بعد الموت من ادراجه في الكفن واختيار أفضل الفتيان ليتولوا دفنه في قبره ثم بعد ذلك يذكر شأن المال الذي سوف ينتهي إلى الورّاث.

ولمالك بن الريب التميمي قصيدة رائعة في هذا المجال قد تخير لها لفظاً رفيعاً وخيالاً بديعاً وتصويراً بليغاً وهي نموذج مثالي للرثاء من هذا النوع. وقيل إنه كان قد خرج مع سعيد بن عفان لما وُلي خراسان. فلما كان ببعض الطريق أراد أن يلبس خفه، فإذا بأفعي في داخلها فلسعته، فلما أحسَّ الموتَ استلقى على قَفاهُ ثمّ أنشأ يقول:

أَلا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً=بجنبِ القضى أزجي القلاصَ النواجيا

ويذكر موته غريباً وبعيداً عن الوطن والديار والأهل بحيث لا يرى باكياً له سوى سيفه ورمحه وفي الأبيات التالية يوصي صاحبيه ويقول يا خليلي لا تنسيا عهدي بعد موتي وحينما تبلي عظامي:

وَلا تنسيا عهدي خليليَّ بعدَما=تقطع أوصالي وتبلى عِظاميا

بعد هذا يتذكر أُسرته التي تكون بعيداً عنه ويطلب من أُمِّ مالك أ لاّ تكف عن إعلان خبر موته والبكاء عليه في حالة يصف مضجعه الذي يضم عظامه البالية ويرجو من صاحبيه أن يبلغا خبر موته إلى قومه وفي نهاية القصيدة يتذكر غربته وبُعده وألمه بأبيات حزينةٍ مُحرقةٍ. بحيث ترك وحيداً في تلك الصحراء المقفرة ولا يرى من الباكيات المؤنسة أحداً.

وهناك نموذج آخر من رثاء هذا اللون ذكره صاحب العقد الفريد حيث يقول: وقال رجل من بني تغلب يقال له أفنون، لقي كاهناً في الجاهلية. فقال له إنّك تموتُ بمكانٍ يقال له ألاهة. وبعد مدة إتّفق أن سافر في ركب من قومه إلى الشام فضلوا الطريق وأتوا تلك المكان فنزل أصحابه وامتنع من النزول فإذا حيّة لدغت ساقه فقال لأخيه وكان معه وإسمه معاوية: احفر لي فإنّي ميّتٌ ثمّ تغنى قبل أن يموت يبكي نفسهُ بالأبيات التالية:

فلستُ على شيءٍ فَرُوحَن مُعاويا=والمشفقاتُ إذْ تبعنَ الحواذِيا

كفى حُزناً أن يرحلَ الركبُ غدوةً=وأنزلُ في أعلى ألاهَةَ ثاوِيا

وفي البيت الأخير يشكو ذهاب أصحابه وإقامته في قبره بعيداً عن الوطن والأهل كما يشير مالكُ بنُ الريب إلى نفس هذا المعنى بقوله:

غَداةَ غَدٍ يا لهفَ نفسي على غَدٍ=إِذا أدلجوا عنّي وأصبحتُ ثاوِيا

وهذان البيتان يشبهان بما قاله هدبة العذري لما أيقن بالموت:

وقبلَ غدٍ يا لهفَ نفسي على غَدٍ=إِذا راحَ أصحابي ولَسْتُ برائحِ

يتبع إن شاء الله

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[09 - 06 - 2008, 11:32 م]ـ

لقد اخترت فأحسنت الاختيار، يا له من موضوع رائع، ويا لكاتبه من كاتب بارع.

قيل لأعرابي، ما بال المراثي أجود أشعاركم؟

قال: لأننا نقولها وأكبادنا تحترق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير