تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واسُتطيرَ فَرحاً وازدُهي ورَمحَ أذيالهُ وزُهي. وما شئتَ من اغتباطٍ معَ نحَوهْ. وطرَبات من غيرِ نشْوَة. وكادَ يُبارى كُبَيْدات السّماءْ. ويناطِحُ هامَةَ الجوزاءْ. وأقبلَ على العلمِ يبوسُ الأرضَ بينَ يديهِ. وعلى الأدبِ يعتنقهُ ويلثمُ خدّيه، بعدما كانَ يتطيرُ منهما ويسمّي التشاغلَ بهما حرماناً وحُرْفة. ويتمنّى الجهلَ والنقصَ ويحسبُهُما سببيَ النعيمِ والتٌّرفه. يقولُ بملءِ فيهِ بارَكَ اللّهُ في العلمِ والأدبِ. هما خيرٌ من كنوزِ الفضةِ والذهبْ. ما أنا لولاهُما والأخذُ بذؤابةِ الشرفِ الأفرعْ. والقبضُ على هاديهِ هذا الفخرِ الأتلع. ومالي ولمساورةِ هذا العزِّ الأقعس. ومشاورةِ هذا الملكِ الأشوس. ومَن لي بهذا الرِّزقِ الواسعِ النّطاق. المُحلِّق على قممِ الأرزاق. واللهِ ما كان ذلكَ الاتفاقُ السماوي والإلهامُ الإلهيُّ إلا خيرةً وبركة. وما زالت البرَكةُ في الحركة. لقد صحَّ قولُهمْ والحركةُ ولُودٌ والسكونُ عاقِرْ. وإلا فمِنْ أينَ تنزاحُ تلكَ المفاقر. يمينَ اللّهِ لو لزمتُ جُثومي واعتزالي. لحرِمتُ صوبَ هذهِ العزالي. هَبلَتْ الهَبول. من لمَ تهُبَّ لهُ هذهِ القَبول. وما يدريكَ ما شقيَ لعلَّ الاعتباط أنجى من ذلكَ الاغتباط. ونشطَةَ الأراقمِ أرجى من ذلكَ النّشاط وأنْ ترزقَ في ثُغرتكَ بالمزارق. خيرٌ من أن تُرزقَ مثلَ تلكَ الأرزاق. مَن حمَلَ العلمَ والأدبَ لمثلِ هذهِ الثّمار. فقد حملَ منهُما أثقالاً على ظهرِ حمار. إنَّ من ثمراتها النزولَ على قضيّاتِ الحِكَم. ورياضةِ صِعابِ الشيَم. وعزَّة النفسِ وبُعد الهمم. وعزَّةُ النفس أن لا تدعَها تُلمُّ بالعملِ السّفساف. وأن تُسفَّ إلى الدناءةِ بعضَ الإسفاف. وأن تظلِفَها عنِ المطامعِ الدَّنية. لا أن تعلفها المطاعمَ الهنيّة وبُعدُ الهمّةِ أن توجِّهها إلى طريقِ الآخرةِ وسلوكها. والاستهانةِ بالدنيا ومُلوكها. وأن لا تلتفتَ إلى ما يتفيئّونَ منَ الظل الوارِف. ويعلقُونَ فيهِ المخارِف. ويعلّقونَ بهِ منَ الزَّينِ والزخارف وأن لا تقولَ لما عُجَّلَ لهمْ منَ المراتبِ ما أفخمهْ وأن تتصوَّرَ ما ادخرَ لهمْ منَ العواقبِ ما أوخمه عيشٌ هنيٌ عن قليلٍ يتنغّص. ظلٌ ظليلٌ عمّا قليلٍ يتقلّص. ملكٌ ثابتُ الأطنابِ يُقوَّض تقويضَ الخيامِ. ونعيمٌ دائمُ التسكابِ يُقلعُ إقلاعَ الغَمام. وللّهِ عبدٌ لم يطرُق بابَ ملكٍ ولم يطأ عتبتَهْ. ولم يلمحْ ببصرهِ مرتبتَه. ولم يعرِفْ حُسّابَهُ ولا كتَبَتَه. ولمْ يصُفَّ قدميهِ إلا بينَ يدي الملكِ الجبارِ جابرِ ما كسرتهُ الجبابرةَ. وكاسرِ ما جبرتهُ الأكاسرة.

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[19 - 06 - 2008, 01:05 م]ـ

مقامة العزلة

يا أبا القاسم أزلْ نفسَك عن صحبةِ الناسِ واعزِلها. وائتِ فرْعةً من فِراعِ الجبلِ فانزِلها. ولُذْ ببعضِ الكُهوفِ والغيران. بعيداً منَ الرفقاءِ والجيران. حيثُ لا تُعلّقُ طرفكَ إلا بسوادِك. ولا تجري مؤامرتَكَ إلا مع فؤادكْ. ولا توصِلْ إلى سمعكَ إلا همسَكَ ومُناجاتك. وإلا جُؤارَكَ ومُناداتك. ولا تفطُنْ لعيبِ أحدٍ سوى عيبك. ولا يهمكَ إلا دنسُ رُدْنَيكَ وجيبك. قاتلَ اللّهُ بني هذهِ الأيام. فإنهمْ طلائعُ الشرورِ والآثام. لِقاهمْ لقاءٌ وحوارُهم غِوار. ونِقالُهم نِقارْ. ووِفُاقهم نِفاقٌ تسلِق بألسنتِهم الأعراض. كما ترشقُ بسهامهِم الأغراض. تجمَعُ النّدوَةَ كِبارَهم فلا يتواصَوْنَ بالصبر بلْ يتناصَوْن على الصَّدر. ولا يتشاوَرونَ في حسمِ الفساد. كما يتساورُون على قسمِ الوِساد. إنْ آنسوكَ حمِدْتَ الوحشَة. وإن جالسوكَ ودَدْتَ الوَحدة. بينا أنتَ في خلواتكَ وانفرادِك مُكبّاً على أحزابكَ وأورادِك. مرَدّداً فكرَكَ كما يجبُ فيهِ ترديدُه. مجدّداً ذكرَ اللّهِ الذي لا ينبغي إلا تجديدُه. مُشتغلاً بخويصة نفسكَ وماِ يعنيك. عاكفاً على ما يدعوكَ إلى الخيرِ ويُدنيك. ويلفتُكَ عن الشرِ ويثنيك. إذ فوجئتَ بمُثافنةِ بعضهم. من الذينَ أخذكَ اللّهُ ببغضِهم. فضربَ بينكَ وبينَ ما كنتَ فيهِ بأسداد. ورماكَ بأمورٍ من تلكَ الأولِ بأضداد. وافتنَّ في الأحاديثِ كحاطبِ الليلْ. واستنَّ في الأكاذيبِ كعائرِ الخيلْ ملقياً أسبابَ الفتنِ بين يديِ افتنانه. مخلّفاً للآدابِ والسننِ وراءَ استنانهِ. لا يدفعُ في صدرِه من حياءٍ دافعْ. ولا يزَعهُ من دينِ حق وازِع. ولا ينزعُه من عرقِ صدقٍ نازع. فإذا أنشأ يأكلُ لحمَ أخيهِ بالنقيصةِ والثّلبِ. ويلغُ في دمهِ الحرامِ وُلوغَ الكلب. ويصوَّبُ ويصعّدُ في تمزيقِ فروتهِ. ويقومُ ويقعدُ في قرعِ مروته. ويخلطُ ذلكَ باستهزاءٍ متتابع. واستغرابٍ متدافع. لم يملكْ حينئذٍ عنانهْ. ولم يُثبطْ عنِ استهزائهِ جنّانه فإن لم تُقبل عليهِ بوجهكَ وصفكَ بالكبرياءْ. وإن لم ترعهِ سمعكَ نسبكَ إلى الرّياءْ مسجّلاً عليكَ بالشكاسةِ والكزازةْ. وناهضاً عنكَ بملءْ الصدرِ منَ الحزازة. وإن أعطيتهُ من نفسِكَ ما يريد فكلاكما والشيطانُ المريد. قد جرى أحدُكما في طلقِ الضلالِ والثاني رسيلُه. واستوى الأولُ على صهوةِ الباطلِ والآخرُ زميلهُ. بل استبقتُما إلى غايةِ الغوايةِ مُعنِقينْ. وتردَّيتما في هُوَّةِ الرَّدى معتنقِينْ. فيالها محنةً ما أضرَّها ويا لها فتنةً وقى اللّهُ شرَّها.

الإنسُ مشتققٌ منَ الإنسِ = والأنسُ أن تنأى عنِ الإنس

ثيابهمْ مُلسُ ولكنها = على ذئابٍ منهمُ طُلسِ

نفسَك فاغنمها وشرِّد بها = عنْهم وقُلْ أفلتِ يا نفسِ

إنْ لمْ تشرِّدْها تجدْها لقىً = للفَرْسِ بينَ الظفْرِ والضِّرْسِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير