تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو عثمان: ليس جهد البلاء مد الأعناق وانتظار وقع السيف، لأن الوقت قصير، والحين معمور، ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلة وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعدم صديقاً مؤنباً، وابن عم شامتاً، وجاراً حاسداً، وولياً قد تحول عدواً، وزوجة مختلعة، وجارية مسبعة، وعبداً يحقرك، وولداً ينتهرك.

وقال الجاحظ: إذا سمعت الرجل يقول: ما ترك الأول للآخر شيئاً، فاعلم أنه ما يريد أن يفلح.

قال أبو حيان في كتاب التقريظ ومن خطه نقلت:

وحدثنا أبو دلف الكاتب قال: صدر الجاحظ في ديوان الرسائل أيام المأمون ثلاثة أيام ثم إنه استعفى فأعفي. وكان سهل بن هارون يقول: إن ثبت الجاحظ في هذا الديوان أفل نجم الكتاب.

قال أبو عبد الله المرزباني: حدث إسحاق الموصلي وأبو العيناء قال: كنت عند أحمد بن أبي دؤاد بعد قتل ابن الزيات فجيء بالجاحظ مقيداً وكان من أصحاب ابن الزيات وفي ناحيته، فلما نظر إليه قال: والله ما علمتك إلا متنسباً للنعمة، كفوراً للصنيعة، معدداً للمساوي، وما فتني باستصلاحي لك، ولكن الأيام لا تصلح منك لفساد طويتك، ورداءة داخلتك، وسوء اختيارك، وتغالب طبعك. فقال له الجاحظ: خفض عليك، - أيدك الله -، فوالله لأن يكون لك الأمر علي خير من أن يكون لي عليك، ولأن أسيء وتحسن، أحسن عنك من أن أحسن فتسيء، وأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل من الانتقام مني. فقال له ابن أبي دؤاد: قبحك الله، ما علمتك إلا كثير تزويق الكلام، وقد جعلت ثيابك أمام قلبك، ثم اصطفيت فيه النفاق والكفر، ما تأويل هذه الآية؟: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد). قال: تلاوتها تأويلها – أعز الله القاضي -. فقال: جيئوا بحداد. فقال: - أعز الله القاضي - ليفك عني أو ليزيدني؟ فقال: بل ليفك عنك. فجيء بالحداد فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ، ويطيل أمره قليلاً، فلطمه الجاحظ وقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم في ساعة، وعمل ساعة في لحظة، فإن الضرر على ساقي، وليس بجذع ولا ساجة. فضحك ابن أبي دؤاد وأهل المجلس منه. وقال بان أبي دؤاد لمحمد بن المنصور، وكان حاضراً: صر به إلى الحمام وأمط عنه الأذى، واحمل إليه تخت ثياب وطويلة وخفاً، فلبس ذلك ثم أتاه متصدر في مجلسه، ثم أقبل عليه وقال: هات الآن حديثك يا أبا عثمان. ومن شعر الجاحظ في ابن

أبي دؤاد:

وعويص من الامور بهيم = غامض الشخص مظلم مستور

قد تسنمت ما توعر منه = بلسان يزينه التحبير

مثل وشي البرود هلله النس= ج وعند الحجاج در نثير

حسن الصمت والمقاطع إما = نصت القوم والحديث يدور

ثم من بعد لحظة تورث اليس= ر وعرض مهذب موفور

وكتب الجاحظ إلى أحمد بن أبي دؤاد:

لا تراني وإن تطاولت عمداً = بين صفيهم وأنت تسير

كلهم فاضل علي بمال = ولساني يزينه التحبير

فإذا ضمنا الحديث وبيت = وكأني على الجميع أمير

رب خصم أرق من كل روح = ولفرط الذكا يكاد يطير

فإذا رام غايتي فهو كاب = وعلى البعد كوكب مبهور

وحدث أبو العيناء عن إبراهيم بن رباح قال: أتاني جماعة من الشعراء كل واحد منهم يدعي أنه مدحني بهذه الأبيات وأجزيه عليها:

بدا حين أثرى بإخوانه = ففلل عنهم شباة العدم

وذكره الدهر صرف الزمان= فبادر قبل انتقال النعم

فتى خصه الله بالمكرمات = فمازج منه الحيا بالكرم

ولا ينكت الأرض عند السؤال = ليقطع زواره عن نعم

ويقال: إن الجاحظ مدح بهذه الأبيات أحمد بن أبي دؤاد وإبراهيم بن رباح، ومحمد بن الجهم.

وحدث إبراهيم بن رباح قال: مدحني حمدان بن أبان اللاحقي وذكر مثل ما مضى وقال في آخره فقال: إن مادحك - أعزك الله - يجد مقالاً، والجاحظ يملأ عينيه مني ولا يستحي. قال: وحدث يموت بن المزرع قال: هجا خالي أبو عثمان الجاحظ الجماز بأبيات منها:

نسب الجماز مقصو = ر إليه منتهاه

تنتهي الأحساب بالنا = س ولا تعدو قفاه

فكتب إليه الجماز:

يا فتىً إلى ال = كفر بالله تائقه

لك في الفضل والتزه = د والنسك سابقه

ومن هجاء الجماز للجاحظ قوله:

قال عمرو مفاخراً = نحن قوم من العرب

قلت في طاعة لرب = ك أبليت ذا النسب؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير