وحدث أبو العيناء محمد بن القاسم قال: كان لي صديق فجاءني يوماً فقال: أريد الخروج إلى فلان العامل وأحببت أن يكون معي إليه وسيلة وقد سألت: من صديقه؟. فقيل لي: أبو عثمان الجاحظ وهو صديقك، وأحب أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية. قال: فصرت إلى الجاحظ فقلت له: جئتك مسلماً وقاضياً للحق، ولي حاجة لبعض أصدقائي وهي كذا وكذا. قال: لا تشغلنا الساعة عن المحادثة وتعرف أخبارنا، إذا كان في غد وجهت إليك بالكتاب، فلما كان من غد وجه إلي بالكتاب. فقلت لابني: وجه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته. فقال لي: إن أبا عثمان بعيد الغور، فينبغي أن نفضه وننظر ما فيه، ففعل فإذا في الكتاب: هذا الكتاب مع من لا أعرفه، وقد كلمني فيه من لا أوجب حقه، فإن قضيت حاجته لم أحمدك، وإن رددته لم أذممك. فلما قرأت الكتاب مضيت إلى الجاحظ من فوري فقال: يا أبا عبد الله، قد علمت أنك أنكرت ما في الكتاب. فقلت: أوليس موضع نكرة؟ فقال: لا، هذه علامة بيني وبين الرجل فيمن أعتني به. فقلت: لا إله إلا الله، ما رأيت أحداً بطبعك ولا ما جبلت عليه. من هذا الرجل علمت أنه لما قرأ الكتاب قال: أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة، وأم من يسأله حاجة. فقلت له: ما هذا؟ تشتم صديقنا، فقال: هذه علامتي فيمن أشكره، فضحك الجاحظ، وحدث الفتح بن خاقان، وحدث الفتح المتوكل: فذلك كان سبب اتصالي به وإحضاري إلى مجلسه.
وحدث عبد الرحمن بن محمد الكاتب قال: كان الجاحظ يتقلد خلافة إبراهيم بن العباس الصولي على ديوان الرسائل، فلما جاء إلى الديوان جاءه أبو العيناء، فلما أراد الانصراف تقدم الجاحظ على حاجبه: إذا وصل إلى الدهليز ألا يدعه يخرج، ولا يمكنه من الرجوع إليه، فخرج أبو العيناء ففعل به ذلك، فنادى بأعلى صوته يا أبا عثمان: قد أرتنا قدرتك فأرنا عفوك. ومن كلام الجاحظ: إحذر من تأمن كأنك حذر ممن تخاف. وقال: أجمع الناس على أربع: أنه ليس في الدنيا أثقل من أعمى، ولا أبغض من أعور، ولا أخف روحاً من أحول، ولا أقود من أحدب.
قال المرزباني: وروى أصحابنا أن الجاحظ صار إلى منزل بعض إخوانه فاستأذن عليه، فخرج إليه غلام عجمي فقال: من أنت؟ قال الجاحظ: فدخل الغلام إلى صاحب الدار فقال: الجاحد على الباب وسمعها الجاحظ، فقال صاحب الدار للغلام: اخرج فانظر من الرجل؟ فخرج يستخبر عن اسمه فقال: أنا الحدقي. فدخل الغلام فقال: الحلقي وسمعها الجاحظ فصاح به في الباب: ردنا إلى الأول، يريد أن قوله الجاحد مكان الجاحظ أسهل عليه من الحلقي مكان الحدقي، فعرفه الرجل فأوصله واعتذر إليه.:)
وقال الجاحظ: أربعة أشياء ممسوخة: أكل الأرز البارد، والنيك في الماء، والقبل على النقاب، والغناء من وراء ستارة.
وحدث قال الجاحظ مرة بحضرة السدري: إذا كانت المرأة عاقلة ظريفة كاملة كانت قحبة، فقال له السدري: وكيف؟ قال: لأنها تأخذ الدراهم وتمتع بالناس والطيب، وتختار على عينها من تريد، والتوبة معروضة لها متى شاءت. فقال له السدري: فكيف عقل العجوز حفظها الله؟ قال: هي أحمق الناس وأقلهم عقلاً.
وحدث المبرد قال: قال الجاحظ: أتيت أبا الربيع الغنوى أنا ورجل من بني هاشم فاستأذنا عليه فخرج إلينا وقال: خرج إليكم رجل كريم والله. فقلت له: من خير الخلق يا أبا الربيع؟ فقال: الناس والله. قلت ومن خير الناس؟ قال العرب والله. قلت فمن خير العرب؟ قال: مضر والله. فقلت فمن خير مضر؟ قال: قيس والله. فقلت: ومن خير قيس؟ قال أعصر والله. قلت: فمن خير أعصر؟ قال غني والله. قلت: فمن خير غني؟ قال أنا والله. قلت فأنت خير الخلق؟ قال إي والله. قلت أيسرك لو أنك تزوجت بنت
يزيد بن المهلب؟ قال: والله لا أدنس كرمي بلؤمها. قلت: على أن لك الجنة، ففكر ساعة
ثم قال: على ألا تلد مني وأنشد:
تأبى لأعصر أعراق مهذبة = من أن تناسب قوماً غير أكفاء
فإن يكن ذاك حتماً لا مرد له = فاذكر حذيف فإني غير أباء
حذيفة بن بكر، وإنما ذكره من بين الأشراف لأنه أقربهم إليه نسباً، لأن أعصر بن أسعد بن
قيس بن عيلان. وحذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة
ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بنقيس بن عيلان.
¥