ولا خلاص لمجتمع من تخلفه إلا إذا كان عالم أشياءه وأشخاصه يدور حول عالم الأفكار، فالثورة حين تخشى أخطاءها ليست بثورة، وإذا هي اكتشفت خطأ من أخطائها ثم التفتت عنه فالأمر أدهى وأمر.
وفي هذا يقول ماركس: يجب دائماً أن نكشف الفضيحة عندما نكتشفها حتى لا تلتهمنا.
- فإن أي ثورة، لن تستطيع تغيير الإنسان إن لم تكن لها قاعدة أخلاقية قوية.
- إن الحوار بين المسؤولين والجماهير يعيد الجسر الذي يصل الشعب بالدولة، وليس غريباً في هذا المناخ من الثقة المتبادلة أن تتحقق المعجزات، ولو كان ثمنها مزيداً من التقشف لأن الصعوبات لا تزال بين عشية وضحاها بعصا سحرية، وعلينا أن نقدم الواجب قبل أن نطالب بالحقوق.
- أما الحق ... فما أغراها من كلمة! إنها كالعسل يجذب الذباب ويجتذب الانتفاعيين والوصوليين والانتفاعين الإنتهازيين بينما كلمة الواجب لا تجتذب غير النافعين الذين يسعون حقاً لنهضة مجتمعهم. فالفرد في المجتمع المتخلف يطالب بحقوقه قبل أن يقوم بواجباته، بينما أداء الواجب هو الكفيل الوحيد بالحصول على الحقوق، فإذا أردت أن تصلح أمر الدولة اصلح نفسك.
2 - التراب: وهو العنصر الثاني الذي يشكل الحضارة مع الإنسان والوقت في فكر مالك ابن نبي.
وحيث يتكلم عن التراب لا يبحث في خصائصه وطبيعته، ولكن يتكلم عن التراب من حيث قيمته الاجتماعية، وهذه القيمة الاجتماعية للتراب مستمدة من قيمة مالكيه، فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة، وحضارتها متقدمة، يكون التراب غالي القيمة، وحيث تكون الأمة متخلفة – كما هو الحال اليوم - يكون التراب على قدرها من الانحطاط، وذلك بسبب تأخر القوم الذين يعيشون عليه، فها هي رمال الصحراء تغزو بشراسة الحقول الخضراء على امتداد الوطن العربي. فتترك أهلها يتامى بين يدي الصحراء المقفرة.
وبدهي أنه لا حل لهذه الأزمة غير الشجرة، لكن إذا كان الإنسان الزارع لهذه الشجرة أو المؤتمن على رعايتها، يعيش حالة تصحر داخلي، فلا أمل من رؤية اللون الأخضر مرة ثانية تحت نظر ويد إنسان كهذا. ولنا في سورية تجربة لوقف التصحر يمكن أن نعتبرها متقدمة، فسنوياً يعلن المسؤولون أنه تم غرس عشرات الملايين من الغراس، لكننا على يقين أن واقع الحال غير ذلك سواء لعدم العناية المستمرة، أو لعدم الدقة في الرقم الإحصائي.
إن ترابنا العربي لا يزال بكراً، رغم كل أشكال النهب التي مورست عليه في السطح أو في العمق من قبل الآخرين، وعلى الأغلب بسبب إهمالنا له وبشكل عدواني.
3 - الوقت: وهو العنصر الثالث في تكوين الحضارة
إن الزمن نهر قديم يعبر العالم، ويروي في أربع وعشرين ساعة الرقعة التي يعيش فيها كل شعب؛ والحقل الذي يعمل به وهذه الساعات التي تصبح تاريخاًً هنا و هناك؛ قد تصير عدماً إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها، وإذا قسنا الزمن بمقياس الساعات التائهة فالقرون لا تساوي شيئاً.
ولكنه نهر صامت حتى إننا ننساه أحياناً، وتنسى الحضارات في ساعات الغفلة أو نشوة الحظ قيمته التي لا تعوض، وحينما لا يكون الوقت من أجل الإثراء أو تحصيل النعم الفانية، أي حينما يكون ضرورياً للمحافظة على البقاء، أو لتحقيق الخلود والانتصار على الأخطار، يسمع الناس فجأة صوت الساعات الهاربة، ويدركون قيمتها التي لا تعوض، ففي هذه الساعات لا تهم الناس الثروة أو السعادة أو الألم، وإنما الساعات نفسها. فيتحدثون حينئذ عن (ساعات العمل)، فهي العملة الوحيدة المصقلة التي لا تبطل، ولا تسترد إذا ضاعت، إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع، وأن يجدها المرء بعد ضياعها، ولكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تحطم دقيقة، ولا أن تستعيدها إذا مضت.
وحظ الشعب العربي والإسلامي من الساعات كحظ أي شعب متحضر، ولكن عندما يدق الناقوس منادياً الرجال والنساء والأطفال إلى مجالات العمل في البلاد المتحضرة ... فأين يذهب الشعب؟ تلكم هي المسألة المؤلمة .. فنحن في العالم الإسلامي نعرف شيئاً يسمى (الوقت)!. ولكنه الوقت الذي ينتهي إلى عدم، ولأننا لا ندرك معناه ولا تجزئته الفنية؛ لأننا لا ندرك قيمة أجزائه من ساعة ودقيقة وثانية، ولسنا نعرف إلى الآن فكرة (الزمن) الذي يتصل اتصالاً وثيقاً بالتاريخ وبتحديد فكرة الزمن يتحدد معنى التأثير والإنتاج، وهو معنى الحياة
¥