تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السُّورة العجيبة (لمن شاء الحجَّ بقلبه ودمعته)

ـ[عصام العويد]ــــــــ[09 Nov 2010, 10:00 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السُّورة العجيبة

(لمن شاء الحجَّ بقلبه ودمعته)

أنزل الله سبحانه في كتابه العظيم سورتين تبينان للناس كيف يكون الحج إلى بيته المعظم، هما: سورة الحج وسورة البقرة، أما سورة البقرة وهي الثانية نزولا فهي سورة (أوامر ونواهي) ولذا جاء التأكيد فيها على الأقوال والأفعال وأحكام الإتمام والمنهيات والكفارات، وبدأت بزمن الحج (الأهلة) وختمت بذكر الله في الأيام المعدودات، وتأتي الإشارة فيها للتقوى تنبيهً على هذا الأصل العظيم.

وأما سورة الحج فهي (سورة قلبية) فآيات الحج فيها غالبها عن حج القلب (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى منكم)، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).

فمن جمع بينهما في حجته جمع الخير كله، ومن انتقص منهما أو من أحدهما اُنتقص من حجه بقدر نقصه، وإنَّ مما تظاهرت النصوص في الدلالة عليه أن كمال أو نقص (حج القلب) أعظمُ أثراً في قبول الحج أو رده من أثر (أعمال الجوارح) مع الضرورة لهما جميعاً، ولكن (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، فليس الكمال في تعظيم القلب لهذه الشعائر كالكمال في سنن الطواف والسعي والرمي ونحوها، ولا الخدش في لباس التوحيد كالخدش في لباس الإحرام، ولا تطهير القلب من الرياء والعجب والكبر كتطهير اللسان من العبث وتطهير البدن من التفث والثياب من الوسخ. وكلاهما دين قد تعبدنا الله به لكن الأول أصل والثاني فرع له، وبينهما تلازم ظاهر إلا في حال صلاح الظاهر مع فساد الباطن.

وما أحسن قول القائل في شأن المسير إلى الله:

قطع المسافة بالقلوب إليه لا ... بالسير فوق مقاعد الركبان

· السورة العجيبة:

تتابع الأئمة ابن سلامة البغدادي وأبو بكر الغزنوي وابن حزم الأندلسي وابن تيمية الحراني ـ رحمهم الله ـ على أنها: من أعاجيب سور القرآن.

وقد تدبرتها دهراً ليس بالقليل، ونظرت في تفاسير السلف وأئمة المحققين من المتأخرين فما ركنتُ إلى وصف يخصها إلا أنها "سورة الأحبار" لعمق معانيها، وصعوبة الربط بين سياقاتها، وكثرة الخلاف العالي بين الفحول في أوجه تفسيرها.

فمن خصائص هذه السورة:

- أنه لم يجتمع في القرآن كلِّه: المكي والمدني والليلي والنهاري والسفري والحضري والحربي والسلمي والناسخ والمنسوخ والمحكمُ والمتشابه والشتائي والصيفي إلا في سورة الحج.

- ولا يُدرى أهي مكية أو مدنية والخلاف فيها بين الجُلة من الصحب الكرام.

- ولم تسمَ سورة باسم ركن من أركان الإسلام إلا "الحج"، ولا يعرف لها غير هذا الاسم.

- ولم تجتمع سجدتان في سورة من القرآن إلا فيها، روى الإسماعيلي في مستخرجه: أن عمر رضي الله عنه قال: فضلت سورة الحج بسجدتين.

- ولم تفتتح سورة في النصف ألأخير من القرآن بـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" إلا سورة الحج.

- وفي القرآن بضع وستون مثلا لم يقل الله عز وجل (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) إلا في مَثَل سورة الحج.

- وفيها ذكر القلوب الأربعة: الأعمى والمريض والقاسي والمخبت الحي المطمئن إلى الله، ولم تجتمع هذه الأربعة إلا في سورة الحج.

- وفيها الآية التي لم تترك خيرًا إلا جمعته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

فهذه ثمانُ خصائصٍ تميزت بها عن أخواتها من سور القرآن.

· مقصود السُّورة:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن مقصودها: تضمنت منازل المسير إلى الله، بحيث لا يكون منزلة ولا قاطع يقطع عنها.

وكلام هذا الإمام يحققه أن السورة سميت باسم الحج، والحج في اللغة: هو القصد إلى معظم، وأعظم مقصود هو الله العظيم سبحانه، والناس كلهم سائرون إلى هذا العظيم في جلاله وجماله ورحمته وعذابه جل في علاه.

فهي علامات ومنارات للسائر، في أي طريق يسلك؟ ثم كيف يسير؟ وما هو زاده؟ ومن أي شيء يحاذر؟

وأول هذه العلامات في السورة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير