[سنة الله في الهداية والضلال]
ـ[محمد جابري]ــــــــ[17 Dec 2010, 08:20 م]ـ
[سنة الله في الهداية والضلال]
الحمد لله الذي رفع السماء ووضع الميزان، وأمرنا أن لا نطغى في الميزان. فما هو هذا الميزان الذي وضع للناس هدى ورحمة؟
نقرأ أقوال الله عز وجل ونستعين بالمفسرين، فلا يزيدوننا إلا بعدا عن إدراك قانون الله، وميزانه الذي جعله للناس سبيلا لفهم القرآن الكريم فهما متراصا، منسجما في وحدة موضوعية، متكاملة، لا ينفك جزء منها عن كلياتها. {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]
إنها البينات من الهدى والفرقان التي لا تترك لبسا بين الحق والباطل وسبيل الهداية وسبيل الضلال؛ إنه ميزان يحكم بالعدل الإلهي: فلا تخشى الناس معه حيف ولا ظلم لكون الله رب العالمين. وقد حرم الله جل جلاله الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما.
فسبحانه من رب كريم: يقضي قضاءه، وهو عدل كلي، ثم لا يلبث أن يتجاوز فيغفر أو يرحم، ورحمته سبقت غضبه.
فهو سبحانه وتعالى: لا يخلف وعده؛ وهو غالب على أمره، بمعنى لا ينطبق عليه الواجب الشرعي،: يقضي القضاء ويجعل الجنة للمتقين، والنار للكافرين، ثم يدخل من شاء في رحمته فضلا منه وتكرما، ومن شاء في عذابه، إنصافا منه وانتقاما. ويبقى الله سبحانه وتعالى الواحد القهار، لا يخلف وعده، ولا يظلم عبده، ويفعل ما يشاء.
عرض الإشكال:
بعد هذه التوطئة لنا أن نتساءل عن قانون الله في هداية خلقه وتضليلهم، جيث يقول جل علاه:
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213]
{قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142]
ويزداد الإشكال حينما نقرأ قوله جل علاه {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَِ} [البقرة: 272]
فقوله عز وجل: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} يزيدنا حيرة، وقوله تعالى {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَِ} [البقرة: 272] يزيدنا يقينا، وبين هذا وذاك كيف يتم رفع الإشكال؟
وتستيقظ نباهتنا عند قوله عز وجل {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]
قد يتساءل مستعجل: " أهناك تناقض أم تعارض بين قوله تعالى {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} وقوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] وبين قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]؟
سبيل رفع الإشكال
وأقول لكل من حاول طرق باب الفهم عن الله: إياك ومحاولة الدخول من باب الفلسفة، فالفلسفة قوانين وبراهين ورب الناس غالب على كل القوانين، وكل البراهين؛ وإنما اسلك سبيل الذلة والتذلل بين يديه فهو كريم لا يخيب من رجاه، وهكذا يجعل الله الهداية نورا في قلب العبد فيبصر به الحق ويعلم سبيله ويبصر الباطل ويدركه مناهجه.
لنتوسل إلى الله بأعز أسمائه في مجال الفهم عنه عساه أن يفتح مغاليق قلوبنا وينور بصائرنا انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [12] هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ [غافر: 13]} غافر.
¥