تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من العجز الحضاري في الواقع إلى الإعجاز العلمي في النص - عبد الرحمن حللي]

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[24 Nov 2010, 05:29 ص]ـ

من العجز الحضاري في الواقع إلى الإعجاز العلمي في النص

عبد الرحمن حللي

المصدر: الملتقى الفكري للإبداع ( http://www.almultaka.net/ShowMaqal.php?module=db5e5182b5971e60d285c2b9f2a70 9db&cat=1&id=783&m=9f03d28cc71ca469a25b9a6d53b05338)

-1-

ظاهرة "التفسير العلمي" أو "الإعجاز العلمي في القرآن" ظاهرة حديثة نسبياً، وإن كانت ترجع جذورها إلى طبيعة النظر إلى ما يحتويه القرآن الكريم من علوم في التراث الإسلامي، فالإمام الغزالي (505هـ) يعتبر أن جميع العلوم داخلة في أفعال الله وصفاته وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله، فكان مقصد الغزالي من مقولته التعرف على الله من خلال القرآن وما اشتمل عليه من أصول العلوم ومفاتيحها، وقد حاول الإمام الرازي (606هـ) تطبيق فكرة الغزالي ووظف العلوم في معرفة أسرار القرآن والوجود، ولم يسم ذلك تفسيراً أو إعجاز علمياً إنما كان جارياً على نسق علماء كل عصر في الاستفادة من معارف زمنهم وتوظيفها في اختصاصاتهم، وجاء الإمام الشاطبي (790هـ) ورفض إدخال العلوم في تفسير القرآن وتحميل القرآن ما لم يحتمل من المعاني والعلوم التي لم تكن موجودة في عصر النزول، ولم تكن المسألة مثار جدل في التراث الإسلامي لأنها لم تشكل ظاهرة على مستوى التطبيق، أما في العصر الحديث فقد ظهر تعبير الإعجاز أو التفسير العلمي بعد اكتشاف العالم الإسلامي الهوة الساحقة بينه وبين الغرب في مجال العلوم خصوصاً فتمت العودة إلى القرآن كوسيلة لاستعادة الثقة بالذات، وكان طنطاوي جوهري (ت:1940م) صاحب أول وأشمل تفسير علمي، ويعتبر تفسيره موسوعة علمية فيه من المبالغات ما لا يقبله المنطق، وقصد بعمله حث المسلمين على الاهتمام بالعلوم ومسابقة الغرب بذلك، لكن تفسيره قوبل بالرفض لمبالغاته، ولأثر ذلك السلبي على القرآن من حيث الاستناد إلى نظريات علمية لم تصل إلى القطع فيتم بتغيرها نقض التفسير والطعن بالقرآن.

-2 -

وفي تحليل ظاهرة الإعجاز العلمي في القرآن ينبغي التفريق بين مستويين أساسيين، الأول: اشتمال القرآن على حقائق علمية وإشارات لقضايا ذات بعد علمي، مع مسلمة لا جدل فيها وهي استحالة التناقض بين القرآن والعلم، وفي هذا المستوى لا يوجد إشكال في بيان طبيعة الوحي وتأكيد مصدريته، أما المستوى الثاني من النظر في المسألة فهي الانتقال من هذه المسلمة (عدم التعارض بين القرآن والعلم) إلى التنظير العلمي لترجمة هذه الحقيقة من خلال أمثلة تفصيلية وأرقام وعناوين واصطلاحات علمية مباشرة وتنزيل الآيات القرآنية على المسائل العلمية أو تأويل النص القرآني في ضوء المسائل العلمية، بل والانتقال إلى البحث في القرآن عن العلم التجريبي واعتباره مرجعاً له. وهذا المستوى الثاني هو مثار الإشكال والنقاش الذي يرجع في عمقه إلى إشكال منهجي يرتبط بطبيعة النظر إلى النص نفسه وموضوعه.

فالمستوى الأول هو أثر طبيعي وتلقائي لإيمان المؤمن بأن القرآن وحي إلهي وكونه كتاباً محكماً مقروءاً فيه آيات تتلى، يقابل كتاب الله المعمور والآيات الكونية، فما في القرآن من هذه الحقائق الظاهرة إنما هي ترجمة لهذا المعنى، وثمة إشارات أخرى إلى قضايا علمية ما هي إلا دلائل للحث على النظر والبحث والاكتشاف التجريبي في ميدانها الطبيعي وليس في النص نفسه، لذلك اقترن الحديث عن الكون والظواهر العلمية بالأمر بالبحث والنظر والتأمل "قلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت:20]، "إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" [الجاثية:3 - 5]، وتحصل الدلالة هنا بالبحث المستقل في الميدانين: الأول: البحث في دلالات النص القرآني عما جاء من القرآن من أجله وهو الهداية، والميدان الثاني هو البحث في الكون عن الدلائل العلمية والقوانين الإلهية وفق قواعد البحث

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير