[أركان تربية القرآن (2ـ قم فأنذر)]
ـ[عصام العويد]ــــــــ[09 Dec 2010, 01:51 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أركان تربية القرآن
(2ـ قم فأنذر)
الركن الثاني: الدعوة المأمور بها في سورة (المدثر)
هذا السورة العظيمة هي الثانية نزولا بعد سورة (اقرأ)، ففي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَنُودِيتُ .. فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا. قَالَ: فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا. قَالَ: فَنَزَلَتْ (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ). وفي لفظ لهما (وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ).
- بيان مقصودها:
السورة لا يعرف لها إلا هذا الاسم فكان دالا على مقصودها وهو"الدعوة بالنذارة والبشارة" (قُمْ فَأَنْذِرْ)، يقول العلامة البقاعي في نظم الدرر موضحاً ذلك: مقصودها الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أنفس المكذبين الفجار، والإشارة بالبشارة لأهل الأدكار، بحلم العزيز الغفار، واسمها المدثر أدل ما فيها على ذلك، وذلك واضح لمن تأمل النداء والمنادى به والسبب.
وهي من أوائل ما نزل فكان أسلوبها الدعوة بالنذارة، ويقابلها في ذلك سورة الدعوة الأخرى (فصلت) وهي في الدعوة بالبرهان والحجة،، وكلاهما مكيتان لكن "فصلت" نزلت متأخرة كثيراً عن "المدثر".
- حقيقة الدعوة فيها:
الدعوة فيها هي"إيصال التذكرة على وجهها المشروع" ولذا وصف الله كتابه بقوله (كلا إنه تذكرة) فمهمة الداعية هي إظهار الحق ساطعاً جميلاً يمحو بنوره ظلمة الليل (كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ)، ثم تنتهي مهمته ليقول للناس بعد ذلك (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ).
فيمحو ظلمة الليل (كلا والقمر (32) والليل إذ أدبر (33) والصبح إذا أسفر) .. ثم تنتهي مهمته ليقول للناس بعد ذلك (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر حصول التذكرة من الناس أمره إلى الله (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)، أما مهمتنا نحن معاشر الدعاة فهي (قُمْ فَأَنْذِرْ) بشرط تلبس الداعية بالصفات السّت مطلع السورة.
وهذه الصفات الستة هي: (قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7))
والفاء في (فأنذر) تعقيبية، وفي البقية (فصيحة) تفصح عن شرط محذوف وتقديره في قوله تعالى (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) مهمْا يكن شيء فكبّرْ ربّك، وبقياسه في بقية الآيات.
والثياب في قوله تعالى (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) تشمل: القلب واللسان والجوارح والبدن والملابس كما يدل عليه مجموع ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم أجمعين.
ومنه ألا يلبس الداعية ثيابه على غدرة ودسيسة وخبيئة سوء بينه وبين الله أو بينه وبين الناس، وقد كانت العرب إذا نكث الرجل ولم يوف بعهده قالوا: إن فلانا لدنس الثياب، وإذا أوفى وأصلح قالوا: إن فلانا لطاهر الثياب، وعن عكرمة أن ابن عباس سُئل عن قوله: وثيابك فطهر قال: لا تلبسها على غَدْرَةٍ وَلا فَجْرَةٍ، ألا تسمعون قول غيلان بن سلمة:
إني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبستُ ولا من غدرة أتقنع
وأهم مهمة وأعظم مُلمة لكل داعية أن يحمل لواء التوحيد ونبذ الشرك صغيره وكبيره (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)، فداعية يلتهي عن التوحيد بغيره أو يترك النهي عن الشرك لما يزعم بلسان قيله أو حاله أنه أهم منه؛ قد انتقص ركناً ركيناً من صفات الداعية الستة في سورة المدثر.
¥