[ومناسبة نزول هاته الآية عقب الآيات المتقدمة في السحر وما نشأ عن ذمه، أن السحر كما قدمنا راجع إلى التمويه، وأن من ضروب السحر ما هو تمويه ألفاظ وما مبناه على اعتقاد تأثير الألفاظ في المسحور بحسب نية الساحر وتوجهه النفسي إلى المسحور، وقد تأصل هذا عند اليهود واقتنعوا به في مقاومة أعدائهم. [. من فوائد ابن عاشور فى الآية.
في ظلال النداء
يتجه الخطاب في مطلع هذا الدرس إلى ? الذين آمنوا ? يناديهم بالصفة التي تميزهم، والتي تربطهم بربهم ونبيهم، والتي تستجيش في نفوسهم الاستجابة والتلبية.
وبهذه الصفة ينهاهم أن يقولوا للنبي صل1: ? راعنا ? - من الرعاية والنظر – وأن يقولوا بدلاً منها مرادفها في اللغة العربية: ? أنظرنا ? .. ويأمرهم بالسمع بمعنى الطاعة،
ويحذرهم من مصير الكافرين وهو العذاب الأليم:
? يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا: راعنا وقولوا انظرنا. واسمعوا. وللكافرين عذاب أليم ?.
وتذكر الروايات أن السبب في ذلك النهي عن كلمة ? راعنا ? .. أن سفهاء اليهود كانوا يميلون
ألسنتهم في نطق هذا اللفظ، وهم يوجهونه للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤدي معنى آخر مشتقاً من الرعونة. فقد كانوا يخشون أن يشتموا النبي صلى الله عليه وسلم مواجهة، فيحتالون على سبه - صلوات الله وسلامه عليه - عن هذا الطريق الملتوي، الذي لا يسلكه إلا صغار السفهاء! ومن ثم جاء النهي للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهود ذريعة، وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في المعنى، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته. كي يفوتوا على اليهود غرضهم الصغير السفيه!
واستخدام مثل هذه الوسيلة من اليهود يشي بمدى غيظهم وحقدهم، كما يشي بسوء الأدب، وخسة الوسيلة، وانحطاط السلوك. والنهي الوارد بهذه المناسبة يوحي برعاية الله لنبيه وللجماعة المسلمة، ودفاعه - سبحانه - عن أوليائه، بإزاء كل كيد وكل قصد شرير من أعدائهم الماكرين.
هداية وتدبر [5] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn5)
1. الرعي حفظ الغير لمصلحته، وكان المسلمون يقولون للرسول عليه الصلاة والسلام راعنا أي راقبنا وتأن بنا فيما تلقننا حتى نفهمه، وسمع اليهود فافترصوه وخاطبوه به مريدين نسبته إلى الرعن، أو سبه بالكلمة العبرانية التي كانوا يتسابون بها وهي راعينا، فنهي المؤمنون عنها وأمروا بما يفيد تلك الفائدة ولا يقبل التلبيس، وهو انظرنا بمعنى انظر إلينا. أو انتظرنا من نظره إذا انتظره. وقرئ أنظرنا من الإنظار أي أمهلنا لنحفظ. وقرىء راعونا على لفظ الجمع للتوقير، وراعنا بالتنوين أي قولاً ذا رعن نسبة إلى الرعن وهو الهوج، لما شابه قولهم راعينا وتسبب للسب. (((واسمعوا))) وأحسنوا الاستماع حتى لا تفتقروا إلى طلب المراعاة، أو واسمعوا سماع قبول لا كسماع اليهود، أو واسمعوا ما أمرتم به بجد حتى لا تعودوا إلى ما نهيتم عنه. (((وللكافرين عَذَابٌ أَلِيمٌ))) يعني الذين تهاونوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وسبوه.
2. نهي الجماعة المسلمة عن التشبه بهؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب في قول أو فعل بما يتوافق مع معاني ومدلولات غير المسلمين فما بالكُم بالإيمان والاعتقاد والعمل بما عندهم من أفكار ومناهج حياة وسلوك.
3. التمسّك بسدّ الذرائع وحمايتها .. وقد دلّ على هذاالأصل الكتابُ والسُّنة. والذَّرِيعة عبارةٌ عن أمر غير ممنوع لنفسه يُخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع. – وَهِيَ الْوَسَائِلُ الَّتِي يُتَوَسَّلُ بِهَا إِلَى أَمْرٍ مَحْظُورٍ –.
4. استخدام مثل هذه الوسيلة من اليهود يشي بمدى عظيم غيظهم وحقدهم، كما يشي بسوء الأدب، وخسة الوسيلة، وانحطاط السلوك.
5. النهي الوارد بهذه المناسبة يوحي برعاية الله لنبيه وللجماعة المسلمة، ودفاعه – سبحانه – عن أوليائه، بإزاء كل كي دوكل قصد شرير من أعدائهم الماكرين.
6.كشف دسائس اليهود وكيدهم للإسلام والمسلمين؛ وتحذير الجماعة المسلمة من ألاعيبهم وحيلهم، وما تكنه نفوسهم للمسلمين من الحقد والشر، وما يبيتون لهم من الكيد والضر. ويكشف للمسلمين عن الأسباب الحقيقية الدفينة التي تكمن وراء أقوال اليهود وأفعالهم، وكيدهم ودسهم، وألاعيبهم وفتنهم، التي يطلقونها في الصف الإسلامي.
7. فرِّغوا أيها المؤمنون أسماعكم لما يقول النبي عليه السلام حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة. واسمعوا سماع قبول وطاعة ولا يكن سماعكم سماع اليهود حيث قالوا: سمعنا وعصينا. واسمعوا ما أمرتم به حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه تأكيدا ًعليهم.
8. تجنّب الألفاظ المحتمِلة التي فيها التعريض للتنقيص والغَضّ.
9. قوله تعالى: ? لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا ? نهي ٌيقتضي التحريم.
[1] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref1). التيسير في اصول التفسير: عطا ابو الرشتة ص134 - 135. ط 1418هـ 1998م
[2] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref2) . الحَاوِى فى تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ.
[3] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref3) . انظر: التفسير المنير ج1 ص235.
[4] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref4) . الحَاوِى فى تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ ج6 ص 27. وفي ظلال القرآن.
[5] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref5). انظر: أسباب نزول القرآن. الواحدي. مفاتيح الغيب. التحرير والتنوير. في ظلال القرآن. التفسير المنير. الجامع لاحكام القرآن. تفسير البيضاوى حـ 1 صـ 375.
في ظلال النداء: من في ظلال القرآن.
¥