الدراسات المستقبلية علم بناه الماديون انطلاقا من علم الشهادة، وأغفلوا عين عالم الغيب، وأهمية جوانبه وفعاليته، وحان الوقت ليقفز المسلمون إلى السطح لكشف زيف الدعاوى، والتأويلات الخاطئة، وحمأة الخرص، وليتحملوا مسؤولية قيادة العالم بجدارة واستحقاق؛ لإظهار حجة الله في الأنفس والآفاق على خلقه، ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة, وصدق الله العظيم:
] وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ َ [الأنفال 59
ويقول ذ. عبد السلام ياسين: " ألا إن وعد الله حق، وأعظم أسباب النمو الاقتصادي والفلاح والنصر اللجأ إلى الله سبحانه.
ليخسأ كل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا. وقر العلمانية التي فرغ أهلها من فاعلية, إلا فاعلية الأرقام، وجحود كل جدوى, إلا جدوى التنظيم البشري. وقر الثوريين الذين لا حديث لهم إلا عن النضال، وتعبئة الجماهير، ووضع الخطة الاقتصادية.
ومع وقر أولئك وهؤلاء يد ذليلة ممدودة إلى الحليف الجاهلي، فمالنا إن اتخذنا أسباب الحساب والتنظيم، وأسباب تجنيد الأمة ورسم المنهاج، لا نمد يد الضراعة لنصيرنا ومولانا ليسدد ويوفق؟! الأسباب شريعته، وقدره من ورائها:
قال تعالى:
] وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96
ها هو ذا مفتاح التوفيق الإلهي الذي لا تحسبه العدادات الإلكترونية, ولا يحصيه المخطط.
فيكون علم الاقتصاد الإسلامي ومداره، ومحوره: علم التقوى والإيمان الكفيلين بفتح بركات الأرض والسماء ". (في الاقتصاد , ص: 131 - 132.)
فهل لاح في أفق سمائك ناصعا بيّنا وجوب العناية بالتخطيط والبرمجة على ضوء سنن الله القرآنية والكونية: أي باحتساب متطلبات عالمي الغيب والشهادة و علومها.
ب- من حيث استخلاص القانون العام للسنن الكونية وإدراجه في استشراف المستقبل
إن الحوادث التاريخية إذا نظرنا إليها من وجهة النظر التاريخية؛ سنجد أنها حوادث فردية، وفريدة، لا تتكرر على شكل مماثل، ومن ثم فهي تعتبر بالفعل وقائع فريدة، غير قابلة للتكرار، ولكننا إذا نظرنا إلى هذه الوقائع المتناهية في امتدادها التاريخي، وفي سياقها التطوري، وفي الأسباب التي أدت إلى حدوثها، وفي النتائج التي انتهت إليها، وحاولنا أن نجردها من فرديتها، وننظر إليها في كليتها، سنجد أن مضمون هذه الوقائع – وليس شكلها – قابل للتكرار والاطراد، ويكشف عن علاقة سببية مطردة بين ظاهرة وأخرى ... وهذا الترابط هو الذي يتيح لنا استخلاص القانون العام الذي تخضع له هذه الوقائع التاريخية، فكلما توفرت أسباب معينة في ظروف معينة إلا وارتبطت بها نتائج معينة ". (منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية لمحمد محمد أمزيان, ص: 188.)
ويتبنى المسلم القواعد الكلية لسنن الله, ويضعها نصب عينيه عند كل تخطيط ودراسة مستقبلية لوضع تصميم سليم وقويم. (انظر كتاب " تجديد دراسة الحديث النبوي على نور السنن الإلهية " للكاتب ص:74 وما بعدها)
وسنن الله الكونية خاضعة لسنن الله القرآنية لا تنفك عنها بتاتا, ولا تحيد عنها محيدا. ويزيد ترابط الحدث التاريخي المسلم إيمانا وتسليما كلما قارنه بنتائج السنن القرآنية، بينما يزداد المؤمن يقينا و ثباتا كلما أدرك مقدمة مؤشرات استنتج نتائجها، وفهم مراد الله منها؛ فكانت له عونا على الثبات على المبدأ، ووسيلة لاستجلاء مقتضى العبودية لله عز وجل.