وأما قوله جلّ ثناؤه: " وأسَرّوا النّجوى الذين ظلموا " فإنما يجيء على البدل، وكأنه قال: انطلقوا فقيل له: مَن؟ فقال: بنو فلان. فقوله جلّ وعزّ: " وأسَرّوا النجوى الذين ظلموا " على هذا فيما زعم يونس.
وفي قوله هذا دليل على أن هذه اللغة ليست مقصورة على حمير وبلحارث، فالفرزدق تميمي مضري، وقد تكلم بهذه اللغة.
وأجاز الخليل ولم يخالفه سيبويه القياس على هذه اللغة، فقد جاء في الكتاب:
قال الخليل رحمه الله: فإن ثنيت أو جمعت فإن الأحسن أن تقول: مررت برجل قرشيان أبواه، ومررت برجل كهلون أصحابه ....
وقال الخليل رحمه الله: من قال: أكلوني البراغيث أجرى هذا على أوله، فقال: مررت برجل حسنين أبواه، ومررت بقوم قرشيين آباؤهم، وكذلك (أفعل) نحو أعور وأحمر، تقول: مررت برجل أعورَ أبواه وأحمرَ أبواه، فإن ثنيت قلت: مررت برجل أحمران أبواه تجعله اسما، ومن قال: أكلوني البراغيث قلت على حد قوله: مررت برجل أعورين أبواه.
فهذا نص على جواز القياس على هذه اللغة القليلة.
وأما الحديث فله روايتان في صحيح البخاري اعتمد ابن مالك على إحداها وهي التي وردت على اللغة القليلة، وإليكم ما قاله ابن حجر العسقلاني بشأن الروايتين:
وَتَوَارَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَوَافَقَهُمْ اِبْنُ مَالِكٍ وَنَاقَشَهُ أَبُو حَيَّانَ زَاعِمًا أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ اِخْتَصَرَهَا الرَّاوِي، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ " الْحَدِيثَ، وَقَدْ سُومِحَ فِي الْعَزْوِ إِلَى مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَالْعَزْوُ إِلَيْهِمَا أَوْلَى، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ " يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ " وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ " الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ: مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ "، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ " فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهُ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، فَيُقَوِّي بَحْثَ أَبِي حَيَّان، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَجِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَوْهُ تَامًّا فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَة لَكِنْ بِحَذْفِ " إِنَّ " مِنْ أَوَّلِهِ، وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ " وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ فِيكُمْ يَتَعَقَّبُونَ " وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْعَزْوُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي تَتَّحِدُ مَعَ الطَّرِيقِ الَّتِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ طَرِيقٍ مُغَايِرَةٍ لَهَا، فَلْيُعْزَ ذَلِكَ إِلَى تَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ لِمَا أَوْضَحْته. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
نخلص من هذا إلى أن هذه اللغة وإن كانت قليلة يجوز القياس عليها، ولكننا لا ندعو إلى القياس على هذه اللغة لتصبح هي الأكثر استعمالا ولكن إن حدث أن استعملها بعض الكتاب أو الشعراء فلا وجه للاعتراض عليها.
مع التحية الطيبة.
ـ[ابن بريدة]ــــــــ[08 - 08 - 2008, 03:46 ص]ـ
إيهِ أيها الأغر،،
دكتورنا الفاضل الأغر - متعه الله بالصحة والعافية -، دائمًا تتحفنا بآرائك النيرة التي تبعث في النفس الاطمئنان، لم لا .. واستحضارك لأقوال الإمام سيبويه في كل مشاركة ورأي.
كم أنت رائع وأنت تربط صغار الطلبة - أمثالي - بأقوال علماء العربية المتقدمين وعلى رأسهم سيبويه، فما أحوجنا إلى هذه الطريقة من التعليم.
دمتَ بصحةٍ وعافيةٍ،،
¥