لو كنت طالب علم لتتبعت مرويات إبن أبي أويس في البخاري ومسلم مما لم يتابعه عليه إلا ضعيف أو مجروح ولألزمتك بتضعيف احاديث لم يضعفها أحد من قبلك لأنك وضعت لنفسك قاعدة فيلزمك إتباعها مطلقا
واللازم إذا كان باطلا دل على بطلام ملزومه
وضعتُ لنفسي قاعدة! هذه قاعدة الإمام أحمد والقطان وابن المديني يا أخي الفاضل، كما نصّ ابن رجب الحنبلي آنفاً: ((قاعدته: أن ما انفرد به ثقة، فإنه يتوقف فيه حتى يُتابع عليه، فإن توبع عليه زالت نكارته، خصوصاً إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والإتقان، وهذه قاعدة يحيى القطان وابن المديني وغيرهما)). اهـ
وابن أبي أويس ليس بثقة ولا هو من أهل الحفظ والإتقان! ورأيُ الدارقطني فيه معروف، حتى إنه قال في كتابه عن علل أحاديث البخاري (رقم 11، ص67): ((وأخرج البخاري رحمه الله عن إسماعيل بن أبي أويس - وهو ضعيف عند أهل الحديث - عن مالك .. الخ)). اهـ
ثم إنه ليس في علم العلل حُكمٌ مطّرد، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص وفقاً للقرائن التي يحتفّ بها، لأن الحديث:
- إذا كان في سنده مقال،
- ولم يكن له أصل صحيح يُرجع إليه،
- وفي متنه نكارة،
- وورد من وجوه أخرى مرسلاً،
- وتكلّم فيه بعض العلماء
.. ثم بعد ذلك تقول إنني وضعتُ قاعدة لنفسي!
القول أن خبر الآحاد يفيد الظن قول باطل وهو من أقوال أهل البدع وأول من قاله المعتزلة يريدون بذلك رد السنة وإنكار الصفات
وهل الإمام النووي وغيره من أئمة الحديث كانوا أيضاً من أهل البدع أخي الكريم؟ هذه مسألة خلافية معروفة، وكُلٌّ يدّعي الإجماع!
قال الخطيب البغدادي (الكفاية 2/ 557): "خبر الواحد لا يُقبَل في شيء من أبواب الدين المأخوذ على المكلَّفين العلمُ بها والقطعُ عليها ... ولا يُقبل خبر الواحد في منافاة حُكم العقل، وحُكم القرآن الثابت المُحكم، والسنة المعلومة، والفعل الجاري مجرى السُنة، وكلّ دليل مقطوع به. وإنما يُقبل به فيما لا يُقطع به مما يجوز ورود التعبّد به، كالأحكام التي تقدم ذكرنا لها". اهـ
فهذا هو الخطيب البغدادي ينصّ على أن خبر الواحد لا يُقبَل في منافاة حُكم القرآن، فهذا غير مقطوع به وذاك مقطوع به. وقد مرَّ عليك قول الشاطبي في أن الكتاب هو المقدَّم على السنة إذ هي مظنونة.
وقال الحافظ العلائي (جامع التحصيل 1/ 74): "لا سبيل إلى القطع إلا في الخبر المتواتر، وأما خبر الواحد فلا يفيد إلا الظن". اهـ وليس العلائي من أهل الكلام حتى يُرمى بالابتداع، بل هو من أئمة الحديث المشهورين. وقد مرَّ عليك قول النووي أن هذا هو رأي الجمهور من لدن الصحابة والتابعين فما بعدهم. فكيف يُقال إنهم كانوا على باطل؟
وليس مقصودهم رحمهم الله ردَّ خبر الواحد، فهذا لا يُعقَل مِمَّن يشتغل بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وإنما نبّهوا إلى أن خبر الواحد عُرضة للخطأ والسهو مِن قِبَل الراوي ولو كان ثقة، فهذا معلوم من الحديث بالضرورة، وأيّ راوٍ لم يخطئ! ومن ثم كان التفريق بين المتواتر الذي راوه جمع عن جمع، وبين الآحاد التي رواها واحد عن واحد. وظنّية خبر الواحد هي مجال علم العلل، لأن المتواتر مقطوع به شأنه شأن القرآن. فلو كانت الآحاد تفيد القطع لا الظن لما جاز للنقاد أن يعلّوا كثيراً من أسانيدها ومتونها، فانظر.
ثم لو كان طلب الشفاعة فما فائدة مسخ أبيه ضبعا، فسواء دخل أباه النار بشرا أو ضبعا لم يرتفع الخزي عن إبراهيم لأن الخزي لا يرتفع عنه إلا بإجابة شفاعته وشفاعته قد رُدّت؟!!
هذا التساؤل يؤكد نكارة المتن. وكلّ مَن استشهد بالحديث كان يدرك أن إبراهيم يشفع لأبيه لأن هذا هو ظاهر الحديث لا كما تزعم أنه ليس له علاقة بالشفاعة. فإضافة إلى الألوسي الذي قال صراحة إن المتن ظاهر في الشفاعة:
يقول ماجد بن سليمان الرسي (أجود البضاعة لمبتغي الشفاعة ( http://www.saaid.net/kutob/12.htm)) في مكتبة صيد الفوائد:
((الشرك من موانع قبول الشفاعة، والدليل على ذلك أن إبراهيم عليه السلام سيشفع لأبيه آزر يوم القيامة ولكن لن يقبل الله شفاعته لأنه من المشركين، مع أن إبراهيم من أولي العزم من الرسل وخليل الرحمن. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يلقى إبراهيم أباه ... " وهذه هي التي تسمى بالشفاعة المنفية، وهي التي عناها الله في قوله "فما تنفعهم شفاعة الشافعين")). اهـ
وفي موقع الإسلام سؤال وجواب ( http://www.islam-qa.com/ar/ref/21672) بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد:
((ولذا فإن الله تعالى لا يقبل شفاعة خليله إبراهيم في أبيه آزر المشرك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... ) رواه البخاري)). اهـ
فهل كل هؤلاء فهموا الحديث خطأ وفهمتَه أنت على الصواب حفظك الله؟
يتبع بإذنه تعالى ..
¥