جزاك الله خيرا
ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[14 - 07 - 09, 02:26 ص]ـ
أود منك أخي الكريم أحمد الأقطش الابتعاد عن المبالغة في التعبير، وأعني بذلك عدة عبارات منها؛
1 - قولك حفظك الله: "صريحُ القرآن أنه لا تداخل بين خلقهما"، وذلك اعتماداً منك على لفظة (ثم) لأنها كما يقول أهل العربية تفيد الترتيب مع التراخي، وهذا في الحقيقة ليس نصاً، وإنما هو الظاهر لأن النص ما لا يحتمل معنى آخر كما هو معلوم في علم الأصول، وإنما قلتُ بأن لفظة (ثم) ليست نصاً، لأنها كما تأتي كثيراً لترتيب الحكم فإنها تأتي أحياناً لمجرد العطف دون الترتيب، كما قرر ذلك غير واحد من أهل العربية قولي إن هذا صريح القرآن ليس فيه مبالغة، لأن (ثُمّ) تأتي للترتيب حتَّى في الأمثلة التي تفضلتَ بذكرها، ولو جاءت للعطف فتفيد البعديّة أيضاً كما قال الزجاج (لسان العرب، ثمم): ((و "ثُمَّ" لا تكون في العطوف إلا لشيء بعد شيء)).
قال ابن كثير (البقرة 30) بعد ذِكر آية البقرة وآية فُصّلت: ((فهذه وهذه دالّتان على أن الأرض خلقت قبل السماء، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين العلماء، إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض. وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: "أَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ?لسَّمَآءُ بَنَـ?هَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَـ?هَا وَ?لأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـ?هَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَـ?هَا وَ?لْجِبَالَ أَرْسَـ?هَا" قالوا: فذكر خلق السماء قبل الأرض. وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه، فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء، وأن الأرض إنما دُحيت بعد خلق السماء. وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديماً وحديثاً، وقد حررنا ذلك في سورة النازعات.
وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله تعالى: "وَ?لأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـ?هَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَـ?هَا وَ?لْجِبَالَ أَرْسَـ?هَا" ففسَّر الدحي بإخراج ما كان مودعاً فيها بالقوة إلى الفعل، لَمَّا أُكْمِلَت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية، دحى بعد ذلك الأرض، فأخرجت ما كان مودعاً فيها من المياه، فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها، وكذلك جرت هذه الأفلاك، فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير أيضاً من رواية ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة، من آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل". وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة، فجعلوه مرفوعاً، وقد حرر ذلك البيهقي)). اهـ
وقال الطبري في تفسير فصّلت: ((وقال جلّ ثناؤه: "في أرْبَعَةِ أيَّامٍ" لما ذكرنا قبلُ مِن الخبر الذي روينا عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه فرغ من خلق الأرض وجميع أسبابها ومنافعها من الأشجار والماء والمدائن والعمران والخراب في أربعة أيام، أوّلهنّ يوم الأحد وآخرهنّ يوم الأربعاء.
حدثني موسى قال: ثنا عمرو قال: ثنا أسباط، عن السديّ قال: خلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين، في الثلاثاء والأربعاء)). اهـ
2 - قولك حفظك الله بأن أيام خلق الأرض بأقواتها أربعة، وأن ذلك نص صريح لا يقبل الاجتهاد، بينما ظاهر النص القرآني أنها ستة، فإن الله قال: "خلق الأرض في يومين"، ثم قال: "وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام"، فهذه ستة أيام لخلق الأرض والأقوات والجبال، وما ذكرت حفظك الله من أنه نص إنما هو مجرد احتمال وليس هو ظاهر سياق القرآن، والله تعالى أعلم. قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) [ق 38] هذا نصٌّ مُحْكَمٌ في أن خلق السماوات والأرض وما بينهما استغرق ستة أيام، وأن الله في اليوم السابع لم يسترح كما تزعم اليهود.
كيف قسَّم الله صراحةً هذه الأيام الستة؟
- يقول تعالى: (خلق الأرض في يومين) [فصلت 9]. فهذا يومان لخلق الأرض.
- ثم قال في آخر الآيات: (فقضاهنّ سبع سماوات في يومين) [فصلت 12]. فهذان يومان لخلق السماوات.
فتلك أربعة أيام صريحة، والباقي يومان قطعاً لإتمام الستة، وهما ما في الأرض:
- لقوله تعالى: (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها).
وإذ نصَّ سبحانه مِن قبلُ على أن الأرض خُلقت في يومين، فانضمَّ هذان اليومان مع هذين اليومين، فتمَّ خلقُ الأرض وما فيها في أربعة أيامٍ سواءً.
من هنا أستغرب قولك: ((وما ذكرتَ حفظك الله من أنه نص إنما هو مجرد احتمال وليس هو ظاهر سياق القرآن)) فأين هو الاحتمال؟ وإذا لم يكن هذا هو "ظاهر سياق القرآن"، فماذا يكون بارك الله فيك؟
¥