تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[14 - 07 - 09, 04:44 ص]ـ

3 - قولك حفظك الله: "لأن الدحو ليس بخلق ... " الخ، إن كان مرادك أنه ليس بمعنى الخلق الذي هو بداية تكوين الأرض فصحيح هذا هو الذي قصدتُه.

وقد قال عامة أهل التفسير وأهل اللغة بأن الدحو معناها البسط، والبسط خلق. أنا لا أنازِع في أن الدحو يعني البسط، ولكن الدحو ليس هو الخلقَ الأوّل. قال الطبري في تفسير النازعات: ((والقول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن الله تعالى خلق الأرض، وقدّر فيها أقواتها، ولم يَدْحُها، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها: أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل. لأنه جلّ ثناؤه قال: "والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها" والمعروف من معنى "بَعْد" أنه خلاف معنى "قَبْل". وليس في دحوِ الله الأرضَ بعد تسويته السماوات السبع وإغطاشه ليلها وإخراجه ضحاها، ما يوجب أن تكون الأرض خُلقت بعد خلق السماوات: لأن الدحو إنما هو البسط في كلام العرب)). اهـ فقد أخرجَ الدحوَ مِن خلق الأرض الذي هو سابقٌ على خلق السماوات.

ثم إن البسط معناه المد، وقد جعله سبحانه وتعالى مقارناً لخلق الجبال في غير ما آية، منها قوله تعالى في سورتي الحجر وق: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي}، وقوله تعالى في سورة الرعد: {وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي}. وهذا القرن بين مد الأرض وخلق الجبال يبين لك أن إرساء الجبال وجعلها (أي خلقها) وإلقاءها كلها بمعنى واحد. المواضع التي تفضلتَ بإحالتي إليها تؤكّد بالفعل أن الدحو هو المدّ، وهو بالمناسبة لا يعارض معنى إخراج الماء والمرعى كما سنذكر. لكنّ الإشكال في أنّ الدحو كان بعد خلق السماوات، بل بعد استوائه سبحانه على عرشه، فكيف يدخل في أيام خلق الأرض؟

يقول تعالى في سورة الرعد قبل الآية التي أشرتَ إليها: (الله الذي رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش وسخّر الشمس والقمر كلّ يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون * وهو الذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومِن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يُغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون). فقوله (مَدّ الأرضَ) يقابل قوله (والأرض بعد ذلك دحاها)، وقوله (وجعل فيها رواسي) يقابل قوله (والجبال أرساها)، وقوله (وأنهاراً ومن كل الثمرات) يقابل قوله (أخرج منها ماءها ومرعاها). وكل هذا واقعٌ بعد خلق السماوات كما في النازعات، بل بعد استوائه سبحانه على العرش كما في الرعد.

أمّا أن قوله هنا (وجعل فيها رواسي وأنهاراً) معناه خلق الجبال، فيشكل عليه قوله (وأنهاراً) لأن إخراج الماء كان في دحو الأرض بعد خلق السماء. ويدلّ عليه أن الله تعالى قال في فصّلت: (وجعل فيها رواسي مِن فوقها)، بينما قال في الحجر وق: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها .. ). فهذه المواضع التي أشرتَ إليها تتحدث عن مرحلة دحو الأرض، وفيها أرسَى الله الجبالَ التي سبق وخلقها مِن قبل فوق الأرض. وهذه المواضع جميعها جاءت بعد آيات خلق السماوات في هذه السور المباركة.

إلا أن يقال بأن من مقتضيات الدحي إخراج الماء والمرعى هو كما تفضّلتَ، لأن إخراج الماء والمرعى كان بالدحو، ولذلك فلا تعارض.

ولذلك كان تعقيبك سديداً حفظك الله بإيراد كلام الشيخ عطية: ((فترى أن جميع المفسرين تقريباً متفقون على أن دحاها بمعنى بسطها، وقول ابن جرير وابن كثير: إن دحاها فسر بما بعده، لا يتعارض مع البسط والتمهيد. كما قال أبو حيان: إنه ذَكَر لوازم التسكن إلى المعيشة عليها من إخراج مائها ومرعاها لأن بهما قوام الحياة)). اهـ

وعليه فنفيك حفظك الله كون إرساء الجبال وإخراج المرعى والماء خلقاً ليس إلا مجرد احتمال، فضلاً عن أن يكون كما تقول: "وهذا صريحُ القرآن!! الإرساءُ والإخراج ليسا داخلين في الخلق الأول، هذا ما يقوله الطبري وابن كثير وما أقوله أيضاً. وليس في كلامي نفي صفة الخلق عن هذه الأمور، لأن الخلقَ لم ينقطع بعد خلق السماوات والأرض. بل كلامي كان عن الأيام الأربعة لخلق الأرض وما فيها.

وعامة المفسرين على أن المقصود بقول الله تعالى: {أخرج منها ماءها ومرعاها} هو المقصود بقول الله تعالى: {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام}، ولذلك جمعوا بين الآيات بما ذكره ابن عباس. بدايةً، لم يكن تقديرُ الأقوات في أربعة أيام، فراجع ما ذكرناه عن تقسيم أيام الخلق.

أما تقدير الأقوات، فيقول الطبري في تفسير فصلت: ((والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى أخبر أنه قدّر في الأرض أقوات أهلها، وذلك ما يقوتهم من الغذاء، ويصلحهم من المعاش. ولم يخصص جلّ ثناؤه بقوله: "وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها" أنه قدّر فيها قوتاً دون قوت، بل عمّ الخبر عن تقديره فيها جميع الأقوات)). اهـ

أما قوله (أخرج منها ماءها ومرعاها)، فيقول الطبري: ((وقوله: "أخْرَجَ مِنْها ماءَها" يقول: فجَّر فيها الأنهار. "وَمَرْعاها" يقول: أنبت نباتَها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)). اهـ

وقال النسفي في تفسير النازعات: ((ثم فَسَّرَ البسط فقال "أَخْرَجَ منها مَاءَها" بتفجير العيون "ومَرْعَاهَا" كلأها. ولذا لم يدخل العاطف على "أخرج". و "أخرج" حال بإضمار "قد". "والجبال أرساها": أثبتها)). اهـ

من هنا، فلا أجد توجيهاً لكلامك الذي تقول فيه:

وعليه فالتفريق بين إخراج الماء والمرعى وبين تقدير الأقوات، بجعل الثاني هو الخلق دون الأول ليس إلا مجرد احتمال ضعيف، فضلاً عن أن يكون كما تقول: "وهذا مقطوعٌ به بنصّ كتاب الله!!! "فأطلبُ منك أن تدعّم رأيك هذا، لأن ما أقوله هو ما يقوله المفسّرون ولم آتِ بدعاً من القول. وأمّا أنك لا تفرّق بين تقدير الأقوات الذي كان قبل خلق السماء وبين إخراج الماء والمرعى الذي كان بعد خلق السماء، فهذا هو الذي أراه احتمالاً ضعيفاً.

جزاك الله خيراً على هذا النقاش العميق، وسأكمل الردّ بإذنه تعالى، فدُم في حفظ الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير