وَخَالَفَ جَمَاعَتَهُمْ أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، فَقَالَ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ»، وَهُوَ وَهْمٌ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ «التَّارِيْخُ الْكَبِيْرُ» (1/ 161/477): «مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ بِنْتِ أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ سَمِعَتْ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ مَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، حَدَّثَنَاهُ أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ».
قُلْتُ: ولَمْ يَتَفَرَّدْ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ يُحَنَّسَ، بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْهُ.
فَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «الْكَبِيْرُ» (23/ 361/849)، وَمِنْ طَرِيقِهِ ابْنُ عَبْدِ الْغَنِي «تَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ» (1/ 171) عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ، كِلاهُمَا عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ - كَذَا تَحَرَّفَ اسْمُ جَدِّهِ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَهَلَّ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ الْمِزِّيُّ «تَهْذِيبُ الْكَمَالِ» (31/ 360) مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ رِيذَةَ الأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ، فَقَالَ «عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ»، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ.
قُلْتُ: وَالْخُلاصَةُ، فَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ، وَأَمْثَلُ أَسَانِيدِهِ «ابْنُ إِسْحَاقَ ثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ أُمِّهِ حُكَيْمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ»، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ.
وَأَمَّا الشَّيْخُ الأَلْبَانِيّ طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ، فَقَالَ فِى «الضَّعِيفَةِ» (1/ 248/211): «وَعِلَّتُهُ عِنْدِيَ حُكَيْمَةُ هَذِهِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِالْمَشْهُورَةِ، وَلَمْ يُوَثِّقْهَا غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ، وَقَدْ نَبَّهْنَا مِرَارَاً عَلَى مَا فِى تَوْثِيقِهِ مِنَ التَّسَاهُلِ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَمِدْهُ الْحَافِظُ، فَلَمْ يُوَثِّقْهَا، وَإِنَّمَا قَالَ فِى «التَّقْرِيبِ»: «مَقْبُولَةٌ» يَعْنِي عِنْدَ الْمُتَابَعَةِ، وَلَيْسَ لَهَا مُتَابِعٌ هَاهُنَا، فَحَدِيثُهَا ضَعِيفٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَهَذَا وَجْهُ الضَّعْفِ عِنْدِي» اهـ.
فَقَدْ بَانَ أَنَّ الشَّيْخَ الأَلْبَانِيَّ رَحِمَهُ اللهُ احْتَجَّ لِتَضْعِيفِ حَدِيثِ حُكَيْمَةَ بِثَلاثَةِ أَدِلَّةٍ:
(أَوَّلُهَا) أَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْهُورَةً.
(الثَّانِي) أنَّهُ لَمْ يُوَثِّقْهَا غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ.
(الثَّالِثُ) قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ عَنْهَا «مَقْبُولَةٌ»، وَأَنَّهَا لَمْ تُتَابَعْ.
فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الأَدِلَّةُ صَالِحَةً لِلْحُكْمِ عَلَى حَدِيثٍ مَا بِالضَّعْفِ، فَلِمَاذَا عَكَسَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ الأَمْرَ فِي «صَحِيحَتِهِ»، فَجَعَلَهَا بِذَاتِهَا أَدِلَّةً لِتَصْحِيحِ عَدَدٍ لا يُحْصَى مِنَ الأَحَادِيثِ؟!.
فَمِنْ أَبْيَنِ الأَمْثِلَةِ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ:
¥