وَيَبْدُو لِي أَنَّ الْمَسَائِلَ الأَرْبَعَةَ تَرْجِعُ بِكُلِّيَتِهَا إلَى الاعْتِرَاضِ الأَخِيْرِ: التَّسَاهُلُ فِي قَبُولِ أَحَادِيثِ الْمَجَاهِيلِ!
فَنَقُولُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقِ: وَصْفُ الأَئِمَّةِ الْفُحُولِ بِالتَّسَاهُلِ لَيْسَ مِنَ الْحُجَجِ النَّاهِضَةِ لِنَقْضِ أَحْكَامِهِمْ عَلَى الأَحَادِيثِ، وَلا أَقْوَالِهِمْ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ.
وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الْوَصْفِ: نَقْضُ الْقَوَاعِدِ وَالأُصُولِ الْحَدِيثِيَّةِ بِالْكُلِيَّةِ.
وَمِنْ نَتَائِجِهِ: نُشُوءُ طَائِفَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الْمُجَرِّحِينَ لأَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْمُتَقَدِّمِينَ.
إِعْتَابُ الْمُخْطِئِ الْقَائِلِ: الْعِجْلِيُّ كَابْنِ حِبَّانَ مُتَسَاهِلْ
ــــ،،، ــــ
الْحَمْدُ للهِ الْهَادِي مَنْ اسْتَهْدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرَاتِ. وَالْوَاقِي مَنْ اتَّقَاهُ الْخَطَايَا وَالزَّلاتِ.
وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى مُحَمَّدٍ الْحَاضِّ عَلَى اغْتِفَارِ الْهَنَّاتِ.
وَإِقَالَةِ عَثَرَاتِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ. وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَصَحْبِهِ ذَوِي الْمَكْرُمَاتِ.
وَبَعْدُ ..
دَلِيلُ الْمُحَقِّقِينَ الْمُنْصِفِينَ
إِلَى صِحَّةِ مَا ضُعِّفَ مِنْ أحَادِيثِ رِيَاضِ الصَّالِحِينِ
وَقَدْ افْتَتَحْنَا هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ بِقَوْلِنَا: «قد سَلَكْنَا عَلَى الإِنْصَافِ قَصْدَ السَّبِيلِ، وَلا بِدْعَ فِي أَنْ يُعْطَى الْمَحْبُوبُ حُكْمَ السَّغَبِ وَالتَّبْتِيلِ». وَمِنَ الإِنْصَافِ، بَلْ كَمَالِ التَّعَقُّلِ: الانْكِفَافُ عَنِ الأَحْكَامِ الْخَاطِئَةِ فِي حَقِّ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْعَارِفِينَ بِأَسْبَابِهِ وَشَرَائِطِهِ، وَأَبُو حَاتِمٍ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ رُفَعَائِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ، فَهُوَ أَحَدُ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ، وَبُحُورِ الْمَعْرِفَةِ بِفُنُونِ الْحَدِيثِ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيفِ الَّتِي لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهَا، فَهِيَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْصِفُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: «وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُصَنَّفَاتِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكْثُرَ بِهَا النَّسْخُ، وَيَتَنَافَسَ فِيهَا أَهْلُ الْعِلْمِ، وَيَكْتُبُوهَا، وَيُجَلِّدُوهَا احْرَازَاً لَهَا»، وَتَرْجَمَةُ هَذَا الإِمَامِ الْحُجَّةِ ضَافِيَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ يَضِيقُ الْمَقَامُ هَاهُنَا عَنِ اسْتِيفَاءِهَا.
وَإِنَّمَا الْقَصْدُ الانْتِصَافُ لِهَذَا الْعَلَمِ الْحُجَّةِ مِنَ أَصَاغِرِ الْمُتَعَلِّمِينَ، الَّذِينَ أَقْحَمُوا أَنْفُسَهُمْ فِى مَيْدَانِ تَحْقِيقِ الأَخْبَارِ وَتَخْرِيْجِهَا، وَيَتَنَاوَلُونَهُ وَيُزْلِقُونَهُ بِأَلْسِنَةِ أَقْلامِهِمْ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ الشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ عَفَا اللهُ عَنْهُ الْمُتَكَرِّرِ فِى مُصَنَّفَاتِهِ: «ابْنُ حِبَّانَ مُتَسَاهِلٌ فِى التَّوْثِيقِ، وَكَثِيْرَاً مَا يُوَثِّقُ الْمَجَاهِيلَ»!!.
وَقَدْ صَحَّ وَاسْتَفَاضَ: احْتِجَاجُ إِمَامِ الأَئِمَّةِ الْمُعَدِّلِينَ مَالِكِ بْنِ أنسٍ بِعَشَرَاتٍ مِنْ الْمَجَاهِيلِ وَالْمَجْهُولاتِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَوْسَاطِهِمْ (1)، فَقُلْ عَنْهُ كَمَا قُلْتَ عَنِ ابْنِ حِبَّانَ، وَعِبْهُ بِمَا عِبْتَهُ بِهِ، فَهَذَا يُصَحِّحُ لِلْمَجَاهِيلِ، وَهَذَا يُوَثِّقُهُمْ. وَكَمَا سَتَقُولُهُ عَنْهُمَا، فَقُلْهُ كَذَلِكَ عَمَّنْ جَرَي مَجْرَى مَالِكٍ فِي تَصْحِيحِ أَحَادِيثِ الْمَجَاهِيلِ وَالْمَجْهُولاتِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَوْسَاطِهِمْ، بَدْءَاً بِالشَّيْخَيْنِ: الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَانْتِهَاءَاً بِالْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ، وَهَؤُلاءِ كَثِيْرُونَ لا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَقُلْهُ كَذَلِكَ عَنِ الإِمَامَيْنِ الْفَحْلَيْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، فَقَدْ وَثَّقَا جَمَاعَةً مَعَ مَا فِيهِمْ مِنَ الْجَهَالَةِ!!.
¥