فَلِمَاذَا تَغَاضَى الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الذَّهَبِيَّةِ الْمُفَسِّرة لقوله «لا يَكَادُ يُعْرَفُ»؟!.
عِلْمَاً بِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ حَيَّانَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِى «التَّقْرِيبِ» (1/ 293): «مِنَ الثَّالِثَةِ» يَعْنِي مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ.
وَإِنَّمَا نَقُولُ هَذَا رَدَّاً عَلَى مَنْ ضَعَّفَهُ، وَإِلاَّ فَالرَّجُلُ فِى غُنْيَةٍ عَنْ هَذَا الدِّفَاعِ، فَقَدْ وَثَّقَهُ اثْنَانِ: الْعِجْلِيُّ فِى «مَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ» (1/ 396)، وَابْنُ حِبَّانَ فِى «الثِّقَاتِ» (4/ 280/2901).
وَقَالَ الْحَافِظُ «تَهْذِيبُ التَّهْذِيبِ» (4/ 17/26): «لَمْ يَقِفِ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى تَوْثِيقِ الْعِجْلِيُّ، فَزَعَمَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ».
وَأَمَّا اقْتِصَارُهُ فِى «التَّقْرِيبِ» عَلَى ذِكْرِ تَوْثِيقِ الْعِجْلِيِّ فَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي بَيَّنَهَا، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ الأَلْبَانِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَتَبَنَّيُ تَوْثِيقَهُ!!، سِيَّمَا وَقَدْ ذَكَرَ فِى «التَّهْذِيبِ» أَنَّ الْعِجْلِيَّ وَابْنَ حِبَّانَ وَثَّقَاهُ، وَلا يَخْفَاكَ أَنَّ «تَقْرِيبَ التَّهْذِيبِ» اخْتِصَارٌ للِ «التَّهْذِيبِ». وَأَمَّا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ الَّذِي ذَكَرَ فِى «الْمِيزَانِ» أَنَّهُ «لا يَكَادُ يُعْرَفُ» بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ الآنِفَةِ فِى «دِيوَانِ الضُّعَفَاءِ»، فَقَدْ أَعَادَ ذِكْرَهُ فِى «الْكَاشِفِ» (1/ 434/1871) فَقَالَ: «ثِقَةٌ»، فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ عَنِ الرَّاوِي «لا يَكَادُ يُعْرَفُ» لَيْسَ تَضْعِيفَاً كَمَا يُفَسِّرُهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ سَعِيدَاً هَذَا الْبُخَارِيُّ فِى «التَّارِيْخِ» (3/ 463/1539)، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِى «الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ» (4/ 12/44)، فَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ جَرْحَاً وَلا تَعْدِيلاً.
وَالْخُلاصَةُ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ حَيَّانَ التَّيْمِيَّ، وَالِدَ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيَّ، ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ، وَإِنْ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنَهُ، وَحَدِيثُهُ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ.
[ثَانِيَاً] مُحَمَّدُ بْنُ الزَّبْرَقَانِ أَبُو هَمَّامٍ الأَهْوَازِيُّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ «الصَّحِيحَيْنِ»، وَثَّقَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: صَالِحُ الْحَدِيثِ صَدُوقٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَالِحٌ وَسَطٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: ثِقَةٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ.
وَلأَجْلِ ذَلِكَ، وَتَوْفِيقَاً بَيْنَ كَلامِ الأَئِمَّةِ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ «التَّقْرِيبُ» (2/ 161): «صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ». وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ بِالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ «صَدُوقٌ يَهِمُ»، فَإِنَّ الْحُكْمَ الصَّحِيحَ يُنْبِؤُ عَنْ قِلَّةِ وَهْمِهِ أَوْ نُدْرَتِهِ، بَيْنَمَا يُنْبِؤُ الثَّانِي عَنِ الْكَثْرَةِ وَاللُّزُومِ!!.
وَعَلَيْهِ، فَالأَهْوَازِيُّ ثِقَةٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ كَمَا يُخْطِئُ غَيْرُهُ مِنَ الثِّقَاتِ، فَمِثْلُهُ مَا لَمْ يَفْحُشْ خَطَؤُهُ، أَوْ يُخَالِفُهُ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ، وَكِلا الأَمْرَيْنِ مُنْتَفِيَانِ عَنِ الأَهْوَازِيِّ، فحَدِيثُهُ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ وَالتَّصْحِيحِ، وَإِنْ تَفَرَّدَ.
وَمِنْ نَوَافِلِ الإِفَادَةِ: إيْضَاحُ حُكْمِ الْخَطَأِ الْيَسِيْرِ يَصْدُرُ عَنِ الثِّقَةِ.
¥