قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي تَرْجَمَةِ الثِّقَةِ الْمُتْقِنِ دَاوُدَ بْنِ أبِي هِنْدٍ فِي «كِتَابِ الثِّقَاتِ» (6/ 278): «وَكَانَ دَاوُدُ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنَ الْمُتْقِنِينَ فِي الرِّوَايَاتِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَهِمُ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ، وَلا يَسْتَحِقُّ الإِنْسَانُ التَّرْكَ بِالْخَطَأِ الْيَسِيْرِ يُخْطِىءُ، وَالْوَهُمِ الْقَلِيلِ يَهِمُ، حَتَّى يَفْحُشَ ذَلِكَ مِنْهُ، لأَنَّ هَذَا مِمَّا لا يَنْفَكُّ مِنْهُ الْبَشَرُ، وَلَوْ سَلَكْنَا هَذَا الْمَسْلَكَ لَلَزِمَنَا تَرْكُ جَمَاعَةً مِنَ الثِّقَاتِ الأَئِمَّةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ مِنَ الْخَطَأِ، بَلْ الصَّوَابُ فِي هَذَا تَرْكُ مَنْ فَحُشَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَالاحْتِجَاجُ بِمَنْ كَانَ مِنْهُ مَا لا يَنْفَكُّ مِنْهُ الْبَشَرُ».
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الثِّقَةِ الثَّبْتِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ الْيَمَانِيِّ فِي «مِيزَانِ الاعْتِدَالِ»: «أَحَدُ الأَعْلامِ الثِّقَاتِ، لَهُ أَوْهَامٌ مَعْرُوفَةٌ احْتُمِلَتْ لَهُ فِي سِعَةِ مَا أَتْقَنَ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ بِالْبَصْرَةِ فَفِيهِ أَغَالِيطُ. هَذَا مَعَ قَوْلِ الإِمَامِ أَحْمَدَ: لَيْسَ يُضَمُّ إِلَى مَعْمَرٍ أَحَدٌ إِلاَّ وَجَدْتَهُ فَوْقَهُ».
وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الثِّقَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيِّ فِي «مِيزَانِ الاعْتِدَالِ»: «بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ الْوَهْمِ. قُلْتُ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ صَادِقَةُ الْوُقُوعِ عَلَى مِثْلِ مَالِكٍ وَشُعْبَةَ».
فَلْنَنْظُرْ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ، الَّذِي ظَنَّ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي هَمَّامٍ الأَهْوَازِيِّ الثِّقَةِ الصُّدُوقِ.
وَلَوْ أنَّهُ طَالَعْ «سُنَنَ الدَّارَقُطْنِيِّ»، فَأَمْعَنَ فِيهِ النَّظَرَ، مَا خَفِيَ عَلَيْهِ ضَعْفُهُ.
فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ «السُّنَنُ» (3/ 35/140): حَدَّثَنَا هُبَيْرَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ نَا أَبُو مَيْسَرَةَ النَّهَاوَنْدِيُّ نَا جَرِيرٌ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدُ الله عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ رَفَعَها عَنْهُمَا».
قُلْتُ: فَمَنْ أَبُو مَيْسَرَةَ هَذَا الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ هَذَا الْحَدِيثَ؟؟، وَهَلْ تَقْوَى رِوَايَتُهُ الْمُرْسَلَةُ عَلَى مُعَارَضَةِ رِوَايَةِ أَبِي هَمَّامٍ الْمَوْصُولَةِ؟!.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِى «الْمَجْرُوحِينَ وْالْمَتْرُوكِينَ» (1/ 144): «أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْحَرَّانِيُّ أَبُو مَيْسَرَةَ النَّهَاوَنْدِيُّ. يَأْتِي عَنِ الثِّقَاتِ بِمَا لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِ الأَثْبَاتِ، لا يَحِلُّ الاحْتِجَاجُ بِهِ»، وَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: «هَذَانِ خَبَرَانِ بَاطِلانِ رَفْعُهُمَا».
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ ابْنُ عَدِيٍّ فِى «الْكَامِلِ فِى الضُّعَفَاءِ» (1/ 176): «كَانَ بَهَمَدَانَ. حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَنَاكِيْرِ، وَيُحَدِّثُ عَمَّنْ لا يَعْرِفُ، وَيَسْرِقُ حَدِيثَ النَّاسِ».
قُلْتُ: فَهَذِهِ رِوَايَةٌ وَاهِيَةٌ بِمَرَّةٍ، لا يَحِلُّ الاحْتِجَاجُ بِهَا لِحَالِ أَبِي مَيْسَرَةَ النَّهَاوَنْدِيِّ. وَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ الأَلْبَانِيَّ لَوْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِى إِسْنَادِ الدَّارَقُطْنِيِّ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ شِدَّةُ ضَعْفِهَا، وَإِنَّمَا قَالَ مَا قَالَهُ تَحْسِينَاً لِلظَّنِّ بِابْنِ الْقَطَّانِ، وَتَقْلِيدَاً لَهُ!!.
فَإِذْ قَدْ بَانَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْصُولَ لا يُعَارَضُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الْوَاهِيَةِ، فَقَدْ ثَبَتَتْ صِحَّتُهُ، وَوَجَبَ الاحْتِجَاجُ بِهِ.
وَأَخْتَتَمُ قَائِلاً «إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاَّ بِاللهِ»، وَآخِرُ دَعَوَانَا أَنْ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ.
ـــ هامشٌ ـــ
الْمَقَالُ الثَّانِي مِنَ «الْمَقَالاتِ الْقِصَارِ فِي فَتَاوَى الأَحَادِيثِ وَالأَخْبَارِ» ج1.
ـ[إبراهيم الأبياري]ــــــــ[27 - 04 - 09, 02:18 ص]ـ
كَالْحَافِظِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ فِي «خُلاصَةِ الْبَدْرِ الْمُنِيْرِ (2/ 93)، وَالْحَافِظِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْوَادِيَاشِيِّ فِي «تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ إِلَى أَدِلَّةِ الْمِنْهَاجِ " (2/ 271)
إِلاَّ أَنَّ الْحَافِظَ ابْنَ الْمُلَقِّنِ الشَّافِعِيَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: «أَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِمَا بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ»، وَكَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْوَادِيَاشِىُّ.
قُلْتُ: وَهُوَ كَمَا قَالا
جزاكم الله عنا أفضل الجزاء، وجعل حظكم من غرفات الجنان موفر الأجزاء.
أليس الحافظ ابن الملقن هو نفسه الحافظ عمر بن علي الوادياشي؟
¥