ومن المنابع الأساسية التي تساهم في صنع ملكة التثبت في نفس المسلم السوي أن الله تعالى أزرى على عباده الذين يجانبون المنهج العلمي القويم في تحصيل معارفهم وإطلاق أحكامهم.
يقول الله تبارك وتعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)).
قال الزمخشري: (ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول او فعل كمن يتبع مسلكا لا يدري انه يوصله الى مقصده فهو ضال.)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تقل) وقال العوفي: (لا ترم أحدا بما ليس لك به علم) وقال محمد بن الحنفية: (يعني شهادة الزور) وقال قتادة: (لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله) ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم).
وقال ابن حيان: (ومعنى لا تقف لا تتبع ما لا علم لك به من قول او فعل 000 ويدخل فيه النهي عن اتباع التقليد)
وقال الشيخ حسنين محمد مخلوف في تفسير هذه الآية: ((ولا تقف)) لا تتبع مالا علم لك به من قول أو فعل ويندرج في ذلك شهادة الزور والكذب وأن تقول
للناس وفي الناس مالا علم لك به، وترميهم بالباطل، وأصل القفو: العضهُ، والبهت والقذف بالباطل.
وجاء في روائع البيان في تفسير هذه الآية: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) أي لا تتبع مالا علم لك به من قول أو فعل، فترمي الناس بالباطل، وتشهد عليهم بغير حق. بل تثبت من كل أمر، فإن الإنسان يسأل يوم القيامة عن كل ما اكتسبته جوارحه.
وقال تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)).
وقال أيضا: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)). فهل بعد هذه الدعوة الصارخة إلى تحكيم العقل وأعمال الفكر مجال لأن يبقى الإنسان كالريشة في مهب الريح تتناقله الأهواء والظنون إلى حيث الهلاك والمنون؟!!
المنبع الثالث: حملة القرآن الكريم على الذين يتبعون الظن وما تهوى الأنفس:
ولقد شن القرآن الكريم حملة شعواء على الذين يتبعون الظن ويجعلونه قسيم العلم في حياتهم ثم يصدرون أحكامهم انطلاقا من تلك الظنون التي لا تورث إلا أحكاما فاسدة. لأن القضية إذا فسدت مقدماتها فسدت نتائجها قطعا. وعليه فإن كل ما يبنى على الظن لا يستطيع أن يثبت ولا يكتسب صفة الرسوخ، وكل ما بنى على العلم فإنه ثابت وراسخ كما قدمنا في المنبع الأول.
قال تبارك وتعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى، وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)).
فهنا يرشدنا الله تبارك وتعالى إلى أن الظن لا يمكن أن يكون هو الطريق اللائق بالبشر في بناء الأحكام المتعلقة بالقضايا الغيبية وإن هذا الطريق يزري على الإنسان ويجعله في مرتبة متدنية من الرقي والتطور.
فهؤلاء المشركون لما لم يتبعوا المنهج العلمي في استصدار احكامهم تردوا في مستنقع الشرك والضلال، قال القرطبي:" (وما لهم به من علم) أي انهم لم يشاهدوا خلقه الملائكة ولم يسمعوا ما قالوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يروه في كتاب "
وقال تعالى: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)).
وقال جل من قائل: ((إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى).
¥