فلو لا تثبت رسول الله ? وإرساله جماعة بعد الوليد بن عقبة لوقع مالا تحمد عقباه كما أخبر بذلك رب العزة جل وعلا.
والعبرة كما يقول علماء الأصول بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لذا فإن هذه الآية من أبرز الآيات التي أسست منهج التثبت في حياة المسلم لأنها تقرر أن التأني والتثبت لا يأتيان إلا بالخير وأن العجلة والظنون لا يأتيان إلا بالشر والندامة.
وفي سورة النساء يقرر الباري سبحانه وتعالى هذا المعنى بصورة أخرى مصورا حال ضعاف النفوس الذين يتصدون لكل كلمة يسمعونها ويذيعونها بين المسلمين من دون أن يعرفوا حجمها وأبعادها، ويوضح الله تعالى كذلك أنهم بفعلهم هذا-الناشئ عن عدم التثبت-كادوا أن يتبعوا الشيطان لولا أن الله تداركهم برحمته الواسعة.
قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)).
وفي سورة النور حينما تكلم المرجفون على سيدتنا عائشة رضي الله عنها واتهموها بما برأها الله منه عرض الله تبارك وتعالى الموقف الذي يجب على المؤمنين أن يتخذوه من التثبت وترك السير وراء كل ناعق.
قال تبارك وتعالى: ((لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ، لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)). حيث أن منهج التثبت الذي أرساه الله جل وعلا في نفوس المسلمين يقتضي أن يتوقف المسلم عن الخوض في هذا الأمر الخطير. لأمرين مهمين ذكرهما جل وعلا:
الأول: إن هذه الدعوى إفك مبين، لا يمكن أن ينطلي على الناس لأنه متضمن طعنا بعرض النبي ?. والأنبياء لا يمكن أن يجعل الله سبيلا للطعن فيهم.
والثاني: إن هذه الدعوى جاءت بلا شهود أو بينة بل جاءت عارية تماما لذا فإن ردها من بديهيات العقل بل العقل يجزم أن صاحب هذا الإفك كاذب مفتر. قال تعالى:
((فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)).
ونختم هذا المبحث بما ذكره الله جل وعلا في سورة المدثر من أن الذي لا يمسكه الورع والتثبت في حياته على ظهر هذه الأرض فإنه سيحشر يوم القيامة مع الذين لم يصلوا لله تبارك وتعالى ولم يؤدوا زكاة أموالهم.
قال تعالى: ((مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)).
المبحث الثاني
التثبت في السنة النبوية المطهرة
بعد أن تكلمنا عن التثبت في القرآن الكريم ورأينا أنه يشمل جزءا كبيرا من حياة المسلمين فليس عجيبا بعد ذلك أن نجد أن التثبت والدعوة إليه ضاربة الأطناب في السنة النبوية ذلك لأنه ما من أمر في القرآن الكريم ولا نهي ولا حض ولا تحذير إلا وللنبي ? قصب السبق في ذلك. ثم إن السنة النبوية ما هي إلا تجسيد للقرآن الكريم على واقع الحياة. سواء بما أمر به النبي أو نهى عنه.
والذي ينعم النظر في واقع السنة المشرفة يجد أن إشاعة التثبت وزراعته في نفوس المؤمنين قد تم بعد أن قامت أسسه ومكوناته في نفوسهم قبل ذلك. فمن الأجل أن يكون المؤمن متثبتا في حياته سن له النبي ? عدة محاور من السنن كلها تؤتي أكلها في النفس الإنسانية كي يكون إنسانا سويا ويمكن أن نجمل هذه المحاور بخمس نقاط وهي كما يأتي:
المحور الأول:- أمر النبي ? باجتناب الظن:
والظن في أصل اللغة: التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم فلما كان الظن مبنيا على غلبة التخمين أي غير مبني على يقين جازم كان-هذا الظن-بعيدا عما يجب أن يكون عليه المسلم في حياته ولهذا عد النبي ? الحديث المبني على الظنون من أكذب أنواع الأحاديث.
قال ? في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة ?: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)).
¥