وعن أبي هريرة ? أنه سمع رسول الله ? يقول: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين يهوي بها يفي النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)).
المحور الثاني: نهي النبي ? عن كثرة الكلام ووجوب تمحيص المسموع:
في هذا المحور يحث النبي ? أتباعه المؤمنين أن يكون لديهم معيار يقاس عليه ما يرد على أذهانهم من كلام فيأخذ منه ما يوافق الشرع ويطرح ما يخالف ذلك، لأن الإنسان الذي يتحول إلى بوق يردد كل ما يسمع لا يقل عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم سوءا من الذين يتعمدون الكذب. ولأجل هذا نهى النبي ?عن ((قيل وقال)) كما أخرجه البخاري ومسلم من رواية المغيرة بن شعبة ?. ومعناه كما نص ابن كثير (أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين).
وقال ?: ((بئس مطية الرجل زعموا)) لأن المسلم لا يسعه أن يلقي القول هكذا على عواهنه دون أن يتحمل هو مسؤوليته أو يفصح عمن يتحمل مسؤولية ذلك القول. أما التضليل فأنه حرام ولا يجوز أن يلجأ إليه المسلم بأي شكل من الأشكال.
وفي صحيح مسلم يرشدنا النبي ? إلى أن الذي ليس لديه ميزان يمحص به الأقوال يكون مشتركا في الكذب فعن عاصم ? قال: قال رسول الله ?: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)).
المحور الثالث: تحذيره ? من سماع الكذابين أو الرواية عنهم:
ولكي تكتمل في نفوس المسلمين معاني التثبت أو يصبح الاستيقان سجية لهم أخبر الصادق المصدوق عن ظهور الكذابين وإنهم يتظاهرون بالعلم لكي يفسدوا على الناس أمور دينهم فحذرنا منهم وأوجب علينا ان نقاطعهم وأن لا نحدث إلا عمن هو ثقة.
فعن أبي هريرة ? عن رسول الله ? أنه قال: ((سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم)).
وعنه أيضا ? قال: قال رسول الله ?: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنوكم)).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله ? يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)).
المحور الرابع: حضه ? صحابته الكرام على حسن التلقي وحسن الأداء:
ومن مظاهر التثبت التي دعا إليها ? وعمل على إشاعتها بين المؤمنين التأكيد التام على حسن التلقي وحسن الأداء بمعنى أن يؤدى المسموع كما سمع من غير زيادة ولا نقصان. حيث دعا ? بالخير لمن يحسن أداء الحديث كما سمعه ودعا قبل ذلك لمن سمع حديثه ? فوعاه وعرف مغزاه والمراد منه.
فقد ورد عن عبد الله بن مسعود ? أن النبي ? قال: ((نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)).
وروي البخاري بسنده إلى أبي بكرة ? أن النبي ? قال لهم في آخر خطبته يوم النحر: ((ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه)).
وفي رواية أخرى للبخاري عن أبي بكرة ? أن رسول الله ? قال: ((ألا لبيلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه)). ومعلوم أن المبلغ لا يستطيع أن يفهم من الحديث أكثر من السامع إلا إذا أدى السامع حديث النبي ? كما سمعه. فهذا الحديث فيه دعوة صريحة إلى أن يؤدى الحديث كما سمع من رسول الله ? لكي لا يفوت نفعه على من خلق الله فيهم قدرة عالية من الوعي.
واعتمادا على هذا الحديث الشريف وأمثاله نص كثير من العلماء على حرمة رواية الحديث بالمعنى لأنه يفوت مقتضى هذا الحديث. ومن أجازها فأنما أجازها بشروط مخصوصة ليس هذا محل ذكرها.
روى مسلم بسنده الى ابي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج ومن كذب علي قال همام احسبه قال متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))
وفي رواية الامام احمد ((حدثوا عني ولا تكذبوا ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج))
وروى الرامهرمزي بسنده أن الرسول الله ? قال: ((حدثوا عني ما تسمعون ولا تقولوا إلا حقا)).
¥