- أو أراد أن يعلم المسلمين ممن كان معه من غير الصحابة على خطورة إسناد الكلام إلى رسول الله ?.
أما أن يقول بعد ذلك مباشرة (وقد وضع (يعني أبو بكر) بعمله هذا أول شروط علم الرواية، وهو شرط الإسناد الصحيح) فمعناه أن أبا بكر ? كان ينظر إلى المغيرة بعين الريبة والاتهام وهذا كلام يحتاج إلى دليل. ولا دليل على ذلك مهما تحمل المتمحلون. حتى إذا ظن أنه قد سلم له بما يقول كشف النقاب عن وجهه وأعرب عن مكنون نفسه فقال: (كان أبو هريرة أول رواية أتهم في الإسلام، قال وممن أتهم أبا هريرة بالكذب عمر وعثمان وعلي)
ثم اشتط وأغرق حتى قال: (ومما وضعه في معاوية ما أخرجه الخطيب عنه: ناول النبي ? معاوية سهما فقال خذ هذا السهم حتى تلقاني به في الجنة).
(وفي سنده وضاح بن حسان عن وزير بن عبد الله ويقال ابن عبد الرحمن الجزري عن غالب بن عبيد الله العقيلي وهؤلاء الثلاثة كلهم هلكى متهمون بالكذب والخبر أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات).
وقريبا من هذا الخط سار أحمد أمين في فجره حينما أدعى أن البدايات الأولى للوضع في الحديث ظهرت في زمن سيدنا عمر بن الخطاب اعتمادا على ما روي من تثبيته ?.
وقبل أن نضرب الأمثلة على تثبت الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم يجب أن نقف قليلا أمام الباعث الحقيقي الذي دعاهم إلى الالتزام بهذه الحيطة التامة في رواية أحاديث المصطفى ? وسنته الغراء.
إذا أنعمنا النظر في تلك الحوادث فسنجد أنهم كانوا يتثبتون من الحفظ وعدم النسيان ويريدون كذلك من وراء ذلك أن يزرعوا في قلوب تلاميذهم الهيبة والإكبار لسنة المصطفى ?. وإن الوصول إلى هذه الحقيقة ليس أمرا عسيرا لمن رزق السلامة في المقاصد والرزانة في النظر. مثال ذلك ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: (كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت فقال ما منعك؟ قلت استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت وقال رسول الله ?: (إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع) فقال والله لتقيمن عليه ببينة أمنكم أحد سمعه من النبي ? فقال أبي بن كعب والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي ? قال ذلك).
فعمر هنا ? إنما طلب البينة لا لأن أبا موسى غير مؤتمن عنده بل لأمر آخر يفصح عنه عمر نفسه، فقد جاء في رواية الإمام مالك لهذه القصة قول عمر ? (أما إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله ?).
وقال ابن حجر في تعقيبه على هذه القصة (وفي رواية عبيد بن حنين… فقال عمر لأبي موسى: والله إن كنت لأمينا على حديث رسول الله ?، ولكن أحببت أن أستثبت) ونحوه في رواية أبي بردة حين قال أبي بن كعب لعمر لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله فقال: سبحان الله، إنما سمعت شيئا فأحببت أن أستثبت).
وقال الإمام النووي (وأما قول عمر لأبي موسى: (أقم عليه البينة) فليس معناه رد خبره من حيث هو خبر واحد ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي ? حتى يتقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل، وأن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثا على النبي ? فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى لا شكا في رواية أبي موسى فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي ? ما لم يقل بل أراد زجر غيره بطريقه فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان في قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبي موسى فأمتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين. ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبرا واحدا إنه طلب منه أخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد وكذا ما زاد حتى بلغ التواتر).
وقال ابن حبان: (قد أخبر عمر بن الخطاب أنه لم يتهم أبا موسى في روايته وطلب البينة منه على ما أراد تكذيبا له، وإنما كان يشدد فيه لأن يعلم الناس أن الحديث عن رسول الله ? شديد).
¥