والتعديل مشتق من العدل أو العدالة فلابد لنا إذن أن نعرف أولا ما هو العدل وما هي العدالة لكي نستطيع أن نفهم معنى التعديل. فالعدل لغة هو كما:
قال ابن منظور: (العدل ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور، وعدل الحاكم في الحكم يعدل عدلا وهو عادل… ورجل عدل رضا ومقنع في الشهادة… ورجل عدل بين العدل).
(وعدل الحكم تعديلا أقامه،… وكل ما أقمته فقد أقمته وعدلته).
وأما اصطلاحا فهو كما في حديث إبراهيم النخعي أنه (من لم يظهر فيه ريبة)، وفي الحدود الانيقة أن العدل: (مصدر بمعنى العدالة وهي الاعتدال والثبات على الحق).
وعرف الامام الشافعي العدل من الرواة فقال:"ان يكون ثقة في دينه معروفا بالصدق في حديثه بريئا من ن يكون مدلسا يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه"
(والعدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم) أو هو (من له ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة).
هذا ما يتعلق بالعدل. أما العدالة فإنها لغة: الاستقامة قال الفيروز آبادي العدل ضد اجور وما قام في النفوس انه مستقيم كالعدالة والعدولة والمعدلة
واصطلاحا هي كما قال الغزالي:
(عبارة عن استقامة السيرة والدين يرجع حاملها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا حتى تحصل الثقة في النفوس بصدقه) أما التعديل فقد عرفه ابن حجر في فتح الباري نقلا عن ابن المنير بقوله (التعديل
إنما هو تنفيذ الشهادة). (وتعديل الشهود أن تقول أنهم شهود).
تعريف الجرح والتعديل:
إن أقدم تعريف اصطلاحي لعلم الجرح والتعديل هو تعريف ابن أبي حاتم الرازي فقد روي الخطيب بسنده إلى محمد بن الفضل العباس قال كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل فدخل عليه يوسف بن الحسين الرازي فقال: يا أبا محمد ما هذا الذي تقرؤه على الناس؟ قال: كتاب صنفته في الجرح والتعديل، قال:وما الجرح والتعديل؟ قال: أظهر أحوال أهل العلم من كان منهم ثقة أو غير ثقة).
ويقول المرحوم صديق حسن القنوجي (ت 1307هـ) في كتابه أبجد العلوم (علم الجرح والتعديل علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة وعن مراتب تلك الألفاظ وهو فرع من فروع علم رجال الحديث).
ويقول الدكتور خليل إبراهيم في تعريفه لهذا العلم: (هو علم يبحث عن الرواة من حيث ما ورد بشأنهم مما يشينهم أو يزكيهم بألفاظ مخصوصة).
إذن نستطيع أن نستخلص مما تقدم أن علم الجرح والتعديل: هو ذلك العلم الذي يعني بدراسة أحوال الرواة مما له تعلق بقبول رواياتهم أو ردها وإصدار أحكام بحقهم بألفاظ مخصوصة على وفق قواعد معلنة.
مقومات الجرح والتعديل:
يعتمد العلماء في تعديل الرواة أو جرحهم على ركنين أساسين هما العدالة والضبط:
أما العدالة: فقد مر بنا تعريفها قبل قليل لكن بقي أن نعرف أن من اتصف بالعدالة يشترط فيه أمور هي ما يسمى بمقومات العدالة وهي:
أولا: الإسلام:
فلا يقبل كافر بالإجماع في الرواية. قال الرازي في المحصول: (الكافر الذي لا يكون من أهل القبلة أجمعت الأمة على أنه لا يقبل روايته، سواء علم من دينه المبالغة في الاحتراز عن الكذب أم لم يعلم).
ثانيا: البلوغ:
فلا تقبل رواية الصبي على الأصح وقيل يقبل المميز إن لم يجرب عليه الكذب.
ثالثا: العقل:
فلا تقبل رواية المجنون مطبق الجنون بالاتفاق. ومن تقطع جنونه وأثر في زمن إفاقته لم يقبل.
رابعا: السلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة:
فلا تقبل رواية من كان فاسقا اواختلت مروءته بحسب العرف السائد.
أما الضبط فإنه في أصل اللغة الحفظ والجزم نقول ضبطه ضبطا أي حفظه بالحزم، ورجل ضابط أي حازم.
وفي الإصلاح يطلق على معنين:
الأول: ضبط الصدر: وهو أن يكون الراوي يقظا غير مغفل حافظا لما سمعه متمكنا من استحضاره متى شاء مع علمه بما يحيل المعاني ان حدث بالمعنى.
والثاني: ضبط الكتاب: ومعناه صيانته لديه منذ أن سمعه إلى أن يؤدي منه.
فإذا عرفنا مقومات الجرح والتعديل عرفنا بعد ذلك الذين ينالهم تجريح العلماء من جهة عدالتهم أو من جهة حفظهم، ويمكن أن نصنفهم إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول: وهم المجرحون من جهة جهالتهم وهم:
1.المبهم. 2.مجهول العين. 3.مجهول الحال.
ثانيا: المجرحون من قبل عدالتهم:
1.الكافر.
2.الصبي.
3.المجنون.
¥