وروى الترمذي بسنده إلى أبي هريرة ? قال: قال رسول الله ?: (نعم الرجل أبو بكر. نعم الرجل عمر. نعم، الرجل أبو عبيدة بن الجراح. نعم الرجل أسيد بن حضير. نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس. نعم الرجل معاذ بن جبل. نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح).
وأخرج الإمام أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ?: نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وأسبال أزاره فبلغ ذلك خريما فجعل يأخذ شفرة يقطع بها شعره إلى أنصاف أذنيه ورفع أزاره إلى أنصاف ساقيه).
وفي الجرح ورد عن رسول الله من حديث عائشة أن رجلا استأذن على النبي ? (فقال: ائذنوا له فبئس أخو العشيرة أو بئس رجل العشيرة فلما دخل عليه ألان له القول قالت عائشة: فقلت يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول قال: يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه اتقاء فحشه).
وقد وردت عن السلف الصالح آثار يمكن الاستدلال بها على جواز الجرح والتعديل.
فمن ذلك ما أخرجه النسائي من حديث أبي اسحق قال: سمعت عبد الله بن يزيد يخطب قال حدثنا البراء وكان غير كذوب أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله ? فرفع رأسه من الركوع قاموا قياما حتى يروه ساجدا ثم سجدوا.
وأخرج كذلك عن مقسم قال الوتر سبع فلا أقل من خمس ذكرت ذلك لإبراهيم فقال عمن ذكره؟ قلت: لا أدري قال الحكم: فحججت فلقيت مقسما فقلت له: عمن قال عن الثقة عن عائشة وعن ميمونة.
وأخرج الترمذي من حديث نافع قال: (سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل قال: فقلت: ما عندنا عسل نتصدق منه ولكن أخبرنا المغيرة بن حكيم أنه قال: ليس في العسل صدقة فقال عمر: عدل مرضي فكتب إلى الناس أن توضع يعني عنهم).
ومما ورد من قبيل تجريح الرواة ما أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عبيد بن عمير عن ابيه أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه فقال: قال رسول الله ? أن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الربيضين من الغنم إن أتت هؤلاء نطحنها وإن أتت هؤلاء نطحنها فقال له ابن عمر: كذبت، فأثنى القوم على أبي خيرا أو معروفا فقال ابن عمر: لا أظن صاحبكم إلا كما تقولون ولكني شاهد نبي الله ? إذ قال: كالشاة بين الغنمين فقال: هو سواء، فقال: هكذا سمعته). فمن الظاهر هنا أن تجريح عبد الله بن عمر لعبيد بن عمير إنما هو من جهة حفظه وضبطه وليس هو متهما بالكذب عند ابن عمر بدلالة قوله: (لا أظن صاحبكم إلا كما تقولون).
وأخرج الدارمي بسنده إلى محمد بن سيرين قوله: (ما حدثتني فلا تحدثني عن رجلين فإنهما لا يباليان عمن أخذا حديثهما).
وأخرج له أيضا قوله: (إن هذا العلم دين فلينظر الرجل عمن يأخذ دينه).
أما التأصيل الشرعي لاعتبار الضبط والإتقان في رواية الأخبار فأبرز قول المصطفى ? في الحديث الصحيح: (نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع فلب مبلغ اوعى من سامع)
ووجه الدلالة في هذا الحديث هو قول النبي ? (فبلغه كما سمع) نص على الحث على الحفظ سواء أكان الحفظ حفظ صدر أو حفظ كتاب.
وفي بعض روايات هذا الحديث (نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فانه رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه) وهذا نص على اعتبار الضبط عند الأداء، لأن المبلغ لا يمكن أن يعي أكثر من المبلغ ألا إذا كان المبلغ ناقلا للنص بحذافيره من دون زيادة ولا نقصان.
لذا فإن الكلام في جرح الرواة ليس داخلا في باب الغيبة وإنما هو النصيحة في دين الله.
المبحث الثالث
أهميته ودواعيه
أهميته ودواعيه:
لا شك أن شرف كل شيء مستمد من شرف متعلقه. ولما كان علم الجرح والتعديل هو المرقاة الكبيرة إلى سنة الرسول ?، عد علم الجرح والتعديل الأصل الحقيقي الذي تبنى عليه كل علوم السنة النبوية.
ولما كانت السنة صنو القرآن وبيانه والمشكاة الكاشفة عن أسراره كانت علوم السنة النبوية تأتي بعد القرآن العظيم عند المسلمين، بما فيها علم الجرح والتعديل الذي به يذاد عن سنة الرسول ?.
وقد تكلم علماؤنا الأجلاء رحمهم الله تعالى عن أهمية علم الجرح والتعديل. وأنه لأهميتة جاز لهم أن يتكلموا في الناس مجرحين ومعدلين بخلاف غيرهم ممن لم يعرضوا لهذا إذ لم يجز لهم أن يتكلموا في الرجال.
¥