ولا أظن أننا لكي نكشف النقاب عن أهمية علم الجرح والتعديل بحاجة إلى أن نتحدث عن أهمية السنة النبوية في حياة المسلمين حيث أن هذا الأمر إن لم يكن من ضروريات الدين فهو من بديهياته.
فقد طفحت كتب السنة النبوية والحديث الشريف بالحديث عن مكانتها وأهميتها وقد أجملها السباعي بما يلي:
- أنها مؤكدة لما جاء به القرآن الكريم.
- إنها مقيدة لما جاء به مطلقا.
- إنها مخصصة لما جاء في القرآن عاما.
- إنها مفصلة لما جاء فيه مجملا.
- أنها مؤسسة لأحكام جديدة لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم.
إذن فأهمية الجرح والتعديل مستمدة من أهمية السنة النبوية في حياة المسلمين. فهي ضرورة شرعية أوجبها عليهم التزامهم بطاعة الله وطاعة رسوله ?.
يقول ابو نعيم الأصبهاني في كتابه (الضعفاء): (فلما وجب طاعته ومتابعته ? لزم كل عاقل ومخاطب الاجتهاد في التمييز بين صحيح أخباره وسقيم آثاره وأن يبذل مجهوده في معرفة ذلك واقتباس سنته وشريعته من الطريق المرضية والأئمة المهدية وكان الوصول إلى ذلك متعذرا إلا بمعرفة الرواة والفحص عن أحوالهم وأديانهم والبحث والكشف عن صدقهم وكذبهم وإتقانهم وضبطهم وضعفهم ودهائهم وخطئهم).
وتكلم الإمام السيوطي في تدريب الراوي عن معرفة الثقات من الضعفاء الذي وسيلته الجرح والتعديل. فقال: (معرفة الثقات والضعفاء وهو من أجل الأنواع (يعني أنواع علوم الحديث) فبه يعرف الصحيح والضعيف وفيه تصانيف كثيرة… وما أغزر فوائده وما أجله وجوز الجرح والتعديل صيانة للشريعة).
وقال الخطيب البغدادي موضحا الدواعي الحقيقية لقيام علم الجرح والتعديل: (لما كان أكثر الأحكام لا سبيل إلى معرفته إلا من جهة النقل لزم النظر في حال الناقلين، والبحث عن عدالة الراوين، فمن ثبتت عدالته جازت روايته، وإلا عدل عنه والتمس معرفة الحكم من جهة غيره لأن الأخبار حكمها حكم الشهادات في أنها لا تقبل إلا عن الثقات).
وتأتي أهمية الجرح والتعديل وتبرز دواعيهما كذلك من جهة أنها بمنزلة الشهادة على صدور ذلك المنقول عن رسول الله ?، ومعلوم أننا مأمورون في القرآن الكريم برد شهادة الفاسق وقبول شهادة المؤمن المرضي، والتوقف في شهادة مجهول الحال حتى يتضح أمره.
- أخرج الخطيب البغدادي بسنده إلى بشر بن الحارث قال سمعت سفيان يقول: الإسناد في الحديث بمنزلة الشهادة.
- وأخرج كذلك عن الحسن بن محمد بن شعبة الانصاري يقول: سمعت عبد الله بن المبارك الحافظ يقول: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: إنما هي شهادة وهذا الذي نحن فيه من أعظم الشهادات.
وقال علي بن المديني موضحا أهمية الجرح والتعديل وأنه نصف ما يقوم عليه علم الحديث: (التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم).
وقال ابن حبان: (فإن أحسن ما يدخره المؤمن الخير في العقبى وأفضل ما يكتسب به الذخر في الدنيا حفظ ما يعرف به الصحيح من الآثار ويميز بينه وبين الموضوع من الأخبار، إذ لا يتهيأ معرفة السقيم من الصحيح ولا استخراج الدليل من الصريح إلا بمعرفة ضعفاء المحدثين والثقات وكيفية ما كانوا عليه من الحالات).
وقال الخطيب البغدادي: (أجمع أهل العلم أنه لا يقبل إلا خبر العدل كما أنه لا تقبل إلا شهادة العدل، ولما ثبت ذلك وجب متى لم نعرف عدالة المخبر والشاهد أن يسأل عنهما أو يستخبر عن أحوالهما أهل المعرفة بهما إذ لا سبيل إلى العلم بما هما عليه إلا بالرجوع إلى قول من كان بهما عارفا في تزكيتهما، فدل على أنه لابد منه).
وقال الإمام مسلم في معرض حديثه عن أهمية الجرح والتعديل في مقدمته في صحيحه:
(وإنما التزموا (أي أئمة الحديث) بالكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين، إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة… ولم يبين ما فيه لغيره ممن يجهل معرفته، كان آثما بفعله ذلك غاشا لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها ولعلها أو أكثرها أكاذيب، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات، وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة).
¥