وهو أعلى درجات التعديل والتوثيق لأن البشر حينما يعدل غيره أو يوثقه إنما يحاول أن يصل إلى ذلك من خلال ما يظهر على الإنسان من سمات الخير والصلاح التي يغلب على الظن أنها تمثل بشكل أو بآخر ما في نفس ذلك الإنسان.
أما رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ورسوله الكريم الذي لا ينطق عن الهوى وإنما ينطق بوحي من الله فإن حكمهما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. إذ أن حكم الله وحكم رسوله يصدران بعد علم تام بما تنطوي عليه تلك النفوس من الصلاح والتقوى. أنظر إلى قوله تبارك وتعالى حينما تحدث جل وعلا عن أولئك المؤمنين الذين بايعوا نبينا ? على النصرة والمنعة: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) فالله تعالى حينما حكم بالرضا عن هؤلاء المؤمنين أعلمنا جلا وعلا أنه قد علم ما في قلوبهم، وأن ما في قلوبهم يتناسب مع هذا الكرم الإلهي العظيم.
وكذلك الحال بالنسبة إلى تعديل النبي ? لأن الله تعالى قال عن هذا النبي الكريم ? ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)).
لذا فإن من عدله الله جل وعلا أو عدله رسوله ? فهو عدل باتفاق أهل السنة والجماعة ولا يحتاج بعد ذلك إلى أن ننظر في حاله.
يقول الخطيب البغدادي: (كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي ? لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله ?، لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وأخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن).
ولسنا هنا بصدد ذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على عدالة الصحابة ?. فقد بحثت هذه المسألة في رسائل جامعية مستقلة. ولكننا سنكتفي في هذا المقام بذكر طرف يسير من آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة المشرفة تدليلا على ما قدمنا من عدالة الصحابة ?.
فمن القرآن الكريم قوله تبارك وتعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) وقوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)) وقوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)). وقوله تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).
ومن السنة النبوية قوله ? في الحديث الذي يرويه عبد الله بن مسعود: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته).
وقوله ? في الحديث الذي يرويه عنه أبو سعيد الخدري ?: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق الدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفة).
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري عن النبي ? قال: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهبت أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).
وأخرج الهيثمي في زوائده عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله ?: (اذا ذكر اصحابي فأمسكوا…).
¥