فمن هذه الأحاديث وغيرها نصل إلى يقين لا يلابسه شك أن من أكرمه الله بصحبة نبيه ? وهو فوق الشبهات فهو مرضي ومأمون على سنة المصطفى إذ أن الله قد أختارهم لصحبة نبيه ? كما أختار الله أنبياءه لحمل رسالاته إلى الناس. فقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده إلى أنس ابن مالك قول النبي ?: (إن الله اختارني وأختار لي أصحابي فجعلهم أصهاري وجعلهم أنصاري…).
ثانيا: التعديل بالاستفاضة:
والمقصود بالاستفاضة هنا إطباق الناس في زمن معين على عدالة شخص ما واشتهاره بذلك شهرة يستغنى بمثلها عن السؤال عنه والفحص عن أحواله.
يقول ابن الصلاح: (وتارة تثبت (أي العدالة) بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة، استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي وعليه الاعتماد).
ويمثل هذا النوع بجملة من أئمة الحديث ذكرهم الخطيب البغدادي وابن الصلاح والمؤلفون في علوم الحديث وهم: (مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري، وسفيان بن عينة والأوزاعي والليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وحماد بن زيد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وعفان بن مسلم) وغيرهم ممن جرى على منوالهم وسار في ركابهم في النباهة والاستقامة وحسن الطوية فلا يسأل عن عدالتهم وأحوالهم وإنما يكتفي منهم بشيوع صلاحهم وإنما السؤال عمن هم دونهم.
وقد صرح الشوكاني أن الاستفاضة أقوى في إثبات عدالة الراوي من تعديل الواحد والاثنين.
وصرح السيوطي كذلك أن من اشتهرت عدالته فإنه لا يحتاج إلى تعديل المعدلين فقال:
واثنان ان زكاه عدل والاصح ان عدل الواحد يكفي او جرح
او كان مشهورا، وزاد يوسف بأن كل من بعلم يعرف
عدل الى ظهور جرح وأبوا ……………………………… .. .
وقال فضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر في هذا الصدد في شرحه لألفية السيوطي في علم الحديث: (تثبت عدالة الراوي بأن ينص عليها واحد من العلماء المعروفين بالبحث عن أحوال الرواة… وهذا في غير من استفاضت عدالتهم واشتهروا بالتوثيق والاحتجاج بهم بين أهل العلم، وشاع الثناء عليهم).
ثالثا: التعديل بشهادة اهل الجرح والتعديل:
والطريقة الثالثة التي أجمع عليها علماء الحديث الشريف في تعديل الرواة هي أن يشهد علماء الجرح والتعديل على رجل ما بأنه عدل مرضي مأمون على سنة رسول الله ?. ونقل الخطيب البغدادي عن أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني أن (العدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه وسلامة مذهبه، وسلامته من الفسق وما يجري مجراه مما اتفق على أنه مبطل للعدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها).
والطريقة المرضية التي يسلكها هؤلاء المعدلون إنما تقوم على الاختبار ومحاولة استكناه عدالة الراوي فلا يكتفي بما يظهر من إسلامه وهديه الظاهر.
يقول الخطيب البغدادي: (الطريق إلى معرفة العدل المعلوم عدالته مع إسلامه وحصول أمانته ونزاهته واستقامة طرائقه، لا سبيل إليها إلا باختيار الأحوال، وتتبع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة).
لكن اختلف العلماء فيما تثبت به عدالة الراوي من حيث العدد. بمعنى هل يكفي تعديل المعدل الواحد في إثبات عدالة الراوي أم يشترط أن يكون التعديل صادرا عن معدلين اثنين على الأقل قياسا على الشهادة.
هذا ما اختلف فيه علماء الحديث إلى فريقين:
الفريق الأول: قالوا لا تثبت عدالة الراوي إلا بتزكية عدلين له قياسا على الشهادات.
الفريق الثاني: قالوا يقبل تعديل الواحد إن كان عدلا لأن الأصل قبول كل عدل مرضي. وهو مبني على التفريق بين الرواية والشهادة وهو الذي صححه ابن الصلاح والخطيب البغدادي والسيوطي وهو قول الأكثرين كما حكاه الأمدي وسبب ذلك (أن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادات).
رابعا: التعديل بحكم القاضي بشهادته:
¥