ومن طرق امتحان الراوي من أجل التأكد من ضبطه أن يسأل عن أحاديث معينة كان قد حدث بها من قبل. فإن أتى بها كما حدث بها أول مرة علم أنه ضابط في حديثه. وإن حدث بها بما لا يتفق مع الصيغة الأولى التي حدث بها علم أنه ليس بضابط وأنه مخروم الضبط بحسب حجم الاختلاف بين الروايتين.
- ذكر الترمذي عن إبراهيم النخعي أنه قال لعمارة بن القعقاع: (إذا حدثتني فحدثني عن أبي زرعة بن جرير فإنه حدثني مرة بحديث ثم سألته عنه بعد ذلك بسنين، فما أخرم منه حرفا).
3.أن يسأل شيخ الراوي عن الأحاديث التي يرفعها الراوي إلى ذلك الشيخ:
ومما سار عليه أئمتنا الإعلام في التثبت من حفظ الراوي أن يسأل عن الأحاديث من رفعت إليه ثم نقارن ألفاظ الراوي بألفاظ شيخه.
- أخرج الترمذي عن وكيع قال: سمعت شعبة يقول سفيان أحفظ مني ما حدثني سفيان عن شيخ فسألته الا وجدته كما حدثني).
الفصل الثالث/ المحاور التي يدور عليها الجرح والتعديل
المبحث الأول/ ما يتعلق بجهالة الراوي
المبحث الثاني/ ما يتعلق بعدالة الراوي
المبحث الثالث/ ما يتعلق بضبط الراوي
المبحث الأول
ما يتعلق بجهالة الراوي
الجهالة
أن من ينعم النظر في عملية الجرح والتعديل التي يمارسها أئمة الحديث على الرواة يجد أن المواطن التي يمكن للجارح أن يطعن من خلالها في الرواة لا تتجاوز هذه الأشياء وهي:-
(البدعة، أو المخالفة، أو الغلط، أو جهالة الحال، أو دعوى الانقطاع في السند بأن يدعي في الراوي بأنه كان يدلس أو يرسل).
وجاء في نخبة الفكر أن (الطعن أما أن يكون لكذب الراوي أو لتهمته بذلك أو فحش غلطه أو غفلته عن الإتقان أو فسفه أو وهمه بأن يروى على سبيل التوهم، أو مخالفته للثقات أو لجهالته، أو لبدعته أو سوء حفظه بان يكون ليس غلطه اقل من إصابته).
فمن سلم من هذه الجوارح فهو العدل الذي يؤخذ حديثه ويعتمد عليه ومن وقع في بعضها فهو بحسب ما وقع فيه. سنتعرض في هذا الفصل للأمور التي تنزل بأصحابها عن رتبة التعديل والتوثيق وسنقسم هذه الأمور بحسب متعلقاتها. فما كان منها متعلقاً بعدالة الراوي تكلمنا عنه في مبحث مستقل وكذلك فيما يتعلق بالضبط تكلمنا عنه منفصلاً عن التعديل.
جهالة الراوي:-
يمكن لنا أن نقول ان المراد بجهالة الراوي: هو أن لا يعرف فيه تعديل ولا تجريح من قبل أهل الجرح والتعديل. وبهذا المعنى فان جهالة الراوي يندرج تحتها ثلاثة أمور هي:-
أولا: جهالة اسم الراوي.
ثانيا: جهالة عين الراوي.
ثالثاً: جهالة حال الراوي.
أما من هو المجهول؟ فقد اختلف فيه العلماء على مذاهب تبعاً لاختلافهم في وسائل إثبات العدالة إذ أن كل من ثبتت عدالته ارتفعت عنه الجهالة.
ويمكن إجمال مذاهب علماء الحديث في المجهول فيما يأتي:-
أولا: يرى الخطيب البغدادي أن المجهول عند المحدثين هو (كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء، ومن لم يعرف حديثه إلا راو واحد)
ثانياً: بينما يرى ابن الصلاح الشهرزوري أن المجهول من الرواة على ثلاثة أصناف وهم:
1. مجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعاً.
2. المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور. ثم عرف المستور بقوله: قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلاً في الظاهر ولا تعرف عدالته الباطنة.
3. المجهول العين. وقد اقر في حده ما ذكره الخطيب.
ثالثاً: يذهب ابن حجر العسقلاني إلى أن المجهول من الرواة صنفان:-
1. مجهول العين:- وهو من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق.
2. مجهول الحال:- وهو من روى عنه اثنان فاكثر ولم يوثق.
رابعاً: بينما يذهب ابن حبان إلى أن الجهالة منحصرة في عين الراوي فمن انتفت عنه جهالة عينه فهو على العدالة إلى أن يثبت عكس ذلك. وكلامه هذا مبني على مذهبه في إثبات العدالة.
يقول ابن حبان: (فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن الخصال الخمس التي ذكرتها فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره لان العدل من لم يعرف
منه الجرح … فمن لم يعلم بجرح فهو عدل إذا لم يتبين ضده)
غير أن العلماء لم يرتضوا منهج ابن حبان هذا يقول ابن حجر (وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهب عجيب والجمهور على خلافه)
¥