5. ذهب ابن عبد البر إلى أن مجهول الحال يمكن أن ترتفع جهالته إذا اشتهر ـ ـ في غير حمل العلم ـ بمكارم الأخلاق من زهد أو كرم أو نجدة. وقد نقل السخاوي قوله في فتح المغيث وهو (قبول روايته أن كان مشهوراً كأن يشتهر بالزهد أو النجدة أو الكرم فان اشتهر بالعلم فقبوله من باب أولى).
قال ابن الصلاح: " ثم بلغني عن أبي عمر بن عبد البر الأندلسي وجادة قال: كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أن يكون رجلاً مشهورا في غير حمل العلم كاشتهار (مالك بن دينار) بالزهد و (عمرو بن معدي كرب) بالنجدة".
6. ذهب أبو الحسن علي بن عبد الله القطان إلى رفع جهالة الحال عن الراوي بتوثيق أحد أئمة الجرح له. أي أن مجهول العين الذي لم يرو له إلا واحد إذا وثق ذلك الراوي من قبل أحد أئمة الجرح والتعديل كان ذلك التوثيق كافياً عنده في التعريف بحاله. وهو نفس ما ذهب إليه ابن حجر فقال بقبول رواية مجهول العين إذا وثقه من ينفرد عنه أن كان متأهلاً لذلك.
وعلى هذا الأساس بنى توثيقة لأحمد بن يحيى بن محمد في تهذيب التهذيب فاسمع إليه وهو يقول: (قال الذهبي (احمد بن يحيى بن محمد لا يعرف، قلت: بل يكفي في رفع جهالة عينه رواية النسائي عنه، وفي التعريف بحاله توثيقة له).
فمع أن احمد بن يحيى هذا غير معروف عند العلماء لأنه لم يرو عنه سوى النسائي. فقد عده ابن حجر معروفاً ومعدلاً برواية النسائي وتعديله إياه.
7. حكي الفيروزآبادي الشيرازي في كتابه التبصرة عن بعض الشافعية انهم يعدلون من روى عنه الثقة مطلقاً فقال: (إذا روى الثقة عن المجهول لم يدل على عدالته، ومن أصحابنا من قال يدل على عدالته).
8. ذهب الغزالي إلى أن الثقة إذا روى عن المجهول وكان هذا الثقة لا يروي إلا عن العدول ولا يستجيز نقل الاحاديث الضعيفة عد ذلك تعديلاً منه لمن روى عنه وإلا فلا فقال: (إذا روى المستجمع لخلال التعديل عن شخص واقتصر عليه فهل يجعل ذلك تعديلاً؟! والمختار أن ذلك كالتعديل من مالك ومن كل محدث لا يستجيز نقل الأحاديث الضعيفة وإلا فلا).
9. ذهب بعض العلماء إلى تعديل من عمل الثقة بموجب حديثه. قال الغزالي وهو يتحدث عما يعد توثيقا للراوي: (أن يعمل بموجب حديث لم ينقله إلا رجل واحد هل يجعل ذلك تعديلاً؟ فيه خلاف. والمختار انه أن أمكن حمل عمله على الاحتياط فلا، وان لم يمكن حمله فهو كالتعديل لأنه محصل للثقة).
ثالثاً: ما ترتفع به جهالة المبهم:
والمقصود بالمبهم من الرواة من لم يسمّ اسمه كنحو (حدثني رجل) أو (فلان) أو (حدثني الثقة) أو (من لا اتهم) إلى غيرها من الألفاظ التي لا تكشف عن اسم الراوي.
وللعلماء في رفع الجهالة الناتجة عن الإبهام طريقتان:
الأولى: طريقة التنصيص:
وهي أن ما ذكر مبهماً في مكان ذكر صراحة في موضع آخر. وقد ذكر هذه الطريقة ابن حجر في نزهة النظر فذكر انه يستدل على معرفة اسم المبهم وتمام اسم المهمل بوروده من طريق أخرى مسمى فيها.
الثانية: طريقة استقراء منهج الراوي:
ومعناها أن يعرف من خلال الاستقراء أن الراوي الفلاني إذا قال حدثني الثقة مثلاً فإنما يعني به شخصا بعينه. مثاله إذا قال الشافعي: (حدثني الثقة عن الليث بن سعد فالثقة يحيى بن حسان التنيسي البكري).
وإذا قال: (حدثني الثقة عن ابن جريج فمراده بالثقة مسلم بن خالد المخزومي مولاهم).
ويعد هذا النوع من اصعب أنواع الاستكشاف للرواة لان كل عالم له منهجه وطريقته الخاصة في إيراد ذكر شيوخه.
والأسباب التي تؤدي إلى وقوع الإبهام في الرواة هي:
1. أن الراوي يهمل ذكر اسم شيخه اختصارا، إذا كان قد ذكره صريحاً في موضع آخر.
2. إن الراوي قد يهمل اسم شيخه تدلسياً،وللتدليس اسباب سنتحدث عنها عند كلامنا على حكم رواية المدلس.
المطلب الثاني
حكم رواية المجهول
بعد أن تكلمنا على الجهالة وأصنافها وأسباب ورودها وما ترتفع به بقي علينا أن نتحدث عن موقف العلماء من رواية المجهول. لان هذا الموقف هو الثمرة المترتبة عن جهالة الراوي. فالعلماء إنما أطالوا من الكلام في أصناف الجهالة وتنازعوا الحديث فيما ترتفع به تلك الجهالة من اجل أن يحددوا موقفهم بعد ذلك من رواية من وصم بالجهالة.
¥