وأما أن كان الراوي من تابع التابعين فمن بعدهم فهو اضعف لخبره سيما إذا انفرد به لأن النبي ? شهد للقرون الثلاثة الأول بالخيرية على سائر الأجيال. فعن عمران بن الحصين قال قال ? (خير امتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران فلا ادري اذكر بعد قرنه قرنين او ثلاثة ثم ان بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن) ْْ.
المذهب الثالث: حكم رواية المجهول بالنظر إلى وثاقة من يروي عنهم:-
ومن العلماء من كان ينظر إلى المجاهيل وحكم مروياتهم من خلال النظر إلى مرتبة من يروي عن أولئك المجاهيل. من حيث الوثاقة والاعتبار. ومن هذا المنظار فان رواية المجاهيل يمكن تصنيفها كالأتي:-
1. حكم رواية المجهول إذا روى عنه الضعفاء:-
فهؤلاء لم أجد من العلماء من ذهب إلى اعتبار روايته سواء المتشددون منهم أو المتساهلون فهذا ابن حبان على الرغم من تساهله في التوثيق فانه يقول: (وأما المجاهيل الذين لم يروِ عنهم إلا الضعفاء فانهم متروكون على الأحوال كلها) لأن الضعف قد انتاب روايتهم من طرفين الأول جهالة الراوي والثاني ضعف الناقلين لتلك الرواية.
2. حكم رواية المجهول إذا روى عنه المشهورون:-
أما إذا روى عن المجهول أناس عدول أو مشهورون فان للعلماء في قبول روايته مذاهب قدمناها آنفاً عند حديثنا على رواية مجهول الحال.
3. حكم رواية المجهول إذا روى الإثبات عنه:-
أما إذا انفرد الثقات الإثبات بالرواية عن ذلك المجهول فان حكم روايته عند العلماء كما يلي:-
1.ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول روايته حتى تثبت عدالته لجواز أن يروي الثقة عمن ليس بثقة ظناً منه انه ثقة. وهو مبني على أن رواية الثقة عن غيره ليست توثيقاً له.
2.مذهب من يرى أن رواية الثقة عن غيره تعديل له أن من روى عن المجهول وهو ثقة قبلت روايته عنه.
يقول الدكتور فاروق حمادة (وهذا في الحقيقة لازم لكن من ذهب إلى أن رواية العدل بمجردها تعديل له، بل عزاه النووي في مقدمة شرحه على مسلم لكثير من المحققين وكذلك محمد بن اسحق بن خزيمة ذهب إلى أن جهالة العين ترتفع براو واحد مشهور واليه يومئ قول ابن حبان: العدل من لم يعرف فيه جرح فمن لم يجرح فهو عدل حتى يثبت جرحه).
وصرح ابن حبان بهذا وهو يتكلم عن منهجه في ثبوت العدالة فقال: (إذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو ثقة).
المبحث الثالث
ما يتعلق بعدالة الراوي
إذا أردنا أن نتعرف على أصناف الرواة الذين ترد رواياتهم باشتراطنا للعدالة. فيجب علينا أولا أن نتعرف على مقومات العدالة حتى يمكن لنا بعد ذلك أن نرى بوضوح من يخرج من الرواة عن تلك المقومات يقول ابن الصلاح: (أجمعت جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن تقبل روايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه وتفصيله: أن يكون مسلما، بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة) إذن فمقومات العدالة خمسة وهي:-
1. الإسلام.
2. البلوغ.
3. العقل.
4. السلامة من أسباب الفسق.
5. السلامة من خوارم المروءة.
أما الشروط الثلاثة الأولى من مقومات العدالة فان الكلام فيها كلام في البديهيات إذ لم يختلف العلماء في وجوب أن يكون الراوي مسلماً غير كتابي ولا وثني.
وأما البلوغ فليس للجرح والتعديل مدخل فيه وكذلك الحال بالنسبة للعقل الذي جعله الله مدار التكليف فلا تقبل رواية المجنون لأنه فاقد لأهلية التحمل.
ولهذا قال الخطيب البغدادي في كفايته:
وأما الأداء بالرواية فلا يكون صحيحاً يلزم العمل به إلا بعد البلوغ، ويجب أيضا أن يكون الراوي في وقت أدائه عاقلاً مميزاً.
(والذي يدل على وجوب كونه بالغاً عاقلاً ما اخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر قال ثنا محمد بن احمد الؤلؤي قال ثنا أبو داود قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا وهيب عن خالد عن أبي الضحى عن علي عن النبي ? قال: (رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل) ولأن حال الراوي إذا كان طفلا أو مجنوناً دون حال الفاسق من المسلمين، وذلك أن الفاسق يخاف ويرجو ويتجنب ذنوبا … فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله غير مقبول فخبر الطفل والمجنون أولى بذلك).
¥