تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد تكلمنا فيما سبق عن الأصناف الذين يخرجون باشتراطنا للعدالة وحكم الرواية عن كل صنف منهم. وقد بقي علينا أن نلم بأصناف الخارجين عن هذه الشروط فيما يتعلق بالضبط. لأن الضبط هو صنو العدالة في قبول الرواية. فليس كل من ثبتت عدالته قبلت روايته. فكم من أناس كانوا على التقى والصلاح لكن لم يكن لهم حظ من الضبط فاعرض عن رواياتهم ولم يشفع لهم دينهم وصلاحهم. وكان هذا سنة متبعة وشرعة ماضية عند سلفنا الصالح.

فقد اخرج الرامهرمزي بنده إلى الشافعي قال (كان ابن سيرين والنخعي، وغير واحد من التابعين يذهبون إلى أن لا يقبلوا الحديث إلا عمن عرف يعني بعدالته وضبطه قال الشافعي وما لقيت أحدا من أهل العلم يخالف هذا المذهب).

واخرج الإمام مسلم عن أبي الزناد قوله: (أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من أهله).

لذا وجب على العاملين في الحديث أن يهتموا كثيرا ويتحروا طويلاً عمن يؤخذون الحديث عنه لأنه إنما يحملون الدين عنهم، ويبلغونه إلى الناس.

روى الخطيب بسنده إلى الربيع بن سليمان قال: (سمعت الشافعي، وذكر من يحمل العلم جزافا فقال هذا مثل حاطب ليل بقطع حزمة حطب فيحملها ولعل فيها أفعى تلدغه وهو لا يدري). فإذا أردنا بعد هذا أن نتعرف على الأصناف التي تخرج عن دائرة رجال الصحيح باشتراطنا للضبط وجدنا انهم يمكن أن يصنفوا على النحو الآتي:

أولاً:- من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو روايته.

ثانياً:- من اختلط عليه أو كان سيئ الحفظ.

ثالثاً:- من كان كثير الغلط كثير الأوهام.

رابعاً:- من كان مكثراً من رواية الشواذ والمناكير.

وسنحاول ان شاء الله أن نتكلم عن كل صنف من هؤلاء. وان نقف على حكم روايته وما يتعلق بها قبولاً أو رداً وبالله التوفيق.

المطلب الأول

حكم رواية من عرف بالتساهل في الحديث

والتساهل في الحديث يكون من الراوي في جهتين. تساهل في سماع الحديث، وتساهل في رواية الحديث.

وقد شدد العلماء رحمهم الله على من ثبت أنه تساهل في سماعه أو أدائه. يقول ابن الصلاح: (لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو أسماعه، كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع، وكمن يحدث لا من اصلٍ مقابل صحيح) فمن التساهل في سماع الحديث:-

- ما أخرجه الخطيب بسنده إلى سليمان بن الأشعث قال سمعت احمد بن حنبل يقول: رأيت ابن وهب وكان يبلغني تسهيله يعني في السماع فلم اكتب عنه شيئا وكان حديثه حديث مقارب الحق).

- واخرج كذلك لعثمان بن أبي شيبة قوله: (رأيت عبد الله بن وهب أنا وأبو بكر وأظنه ذكر ابن معين وابن المدني رأيناه عند ابن وهب ينام نوماً حسنا وصاحبه يقرأ على ابن عينة وابن وهب نائم قال فقلت لصاحبه أنت تقرأ وصاحبك نائم قال فضحك ابن عينية، قال فتركنا ابن وهب إلى يومنا هذا، فقلت له لذا السبب تركتموه؟ قال نعم وتريد اكثر من هذا وهو عنده لا شيء).

وقال ابن حجر في ترجمة عبد الرحمن بن الحارث الغنوي (قال ابن أبي الفوارس: كان فيه بعض التساهل لم يكن ممن يعتمد عليه).

- وفي ترجمته (اعني ابن حجر) لعثمان بن عمرو بن منتاب البغدادي يقول: (قال أبو الفتح أن أبي الفوارس كان كثير التساهل لم يكن له اصل جيد).

- ولما كان التساهل في السماع موجباً لرد الرواية وملحقاً للنقص في ذلك الراوي. صرح العلماء إن على طالب الحديث أن يمسك بزمام نفسه وما يحمله شره الطلب ولذة السماع على التساهل.

- يقول ابن جماعة في شروط السامع عليه: (أن يبدأ بسماع ما عند ارجح شيوخ بلده إسنادا وعلماً وديناً وشهرة فإذا فرغ من مهمات بلده رحل في الطلب فان الرحلة من عادة الحفاظ المبرزين ولا يحمله الشر في الطلب على التساهل في السماع والتحمل فيخل بشيء من شروطه).

واما التساهل في رواية الحديث فهو أما أن يكون سجية ثابتة عند الراوي ويكون قد طرأ عليه بسبب طارئ. فان كان الأول فهو مردود الرواية مطلقاً وان كان الثاني فحكم روايته بحسب أوان ما سمعت فيه فما كان قبل تساهله فهو صحيح وما كان بعد ذلك فهو مردود. ودليلنا على ذلك:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير