- ما أخرجه الخطيب عن احمد بن واضح المصري قال: (كان محمد بن خلاد الاسكندراني رجلاً ثقة ولم يكن فيه اختلاف حتى ذهبت كتبه فقدم علينا رجل يقال له أبو موسى في حياة ابن بكير فذهب إليه يعني إلى محمد بن خلاد بنسخة صمام بن إسماعيل ونسخة يعقوب بن عبد الرحمن فقال أليس قد سمعت النسختين، قال نعم، قال: فحدثني بهما فقال: قد ذهبت كتبي ولا احدث بهما فما زال به هذا الرجل، حتى خدعه وقال له النسخة واحدة فحدث بهما، فكل من سمع منه قديما قبل ذهاب كتبه فحديثه صحيح ومن سمع منه بعد ذلك فليس حديثه بذاك).
- (وممن نسب إلى التساهل ابن لهيعة كان الرجل يأتيه بالكتاب فيقول هذا من حديثك فيحدث به مقلدا له).
فهو وان كان قد احترقت كتبه إلا انه لا يحتج بحديثه كله لأن العلماء نصوا على انه كان سيئ الحفظ قبل احتراق كتبه وبعدها.
يقول الخطيب (وكان عبد الله بن لهيعة سيئ الحفظ واحترقت كتبه وكان متساهلا في الأخذ وأي كتاب جاءوا به حدث عنه، فمن هناك كثرت المناكير في حديثه).
واخيرا يجب أن نعلم إن العلماء فرقوا بين من ثبت عليه التساهل في حديث رسول الله ? وبين من ثبت عليه التساهل في حديث الناس.
فقد اخرج الخطيب بسنده إلى القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني قوله: (ويرد خبر من عرف بالتساهل في حديث رسول الله ?، ولا يرد خبر من تساهل في الحديث عن نفسه وامثاله وفيما ليس بحكم في الدين).
المطلب الثاني
حكم رواية من اختلط أو كان سيئ الحفظ
والمقصود بسوء الحفظ أن لا يترجح جانب إصابة الراوي على جانب خطئه كما نص على ذلك ابن حجر.
وسوء الحفظ يكون على نوعين:
الأول:-
ما كان ملازماً للراوي، وحكم رواية من كان على هذه الشاكلة بحسب ما يقتضيه قرائن الجرح والتعديل. فقد يكون هناك من القرائن ما يوجب قبول روايته وقد يوجد ما يوجب رد روايته. فان كان الراوي صدوقاً سيئ الحفظ كما هو الحال مثلاً في (أبي إسرائيل الكوفي فقد قال عنه أبو زرعة انه صدوق، وقد كان سيئ الحفظ) فإذا روى مثل هذا عن شيخ طالت ملازمته له وانه اثبت من روى عن ذلك الشيخ كانت القرينة تدفعنا إلى قبول خبره.
واما إذا كان سيئ الحفظ قد روى عن شيخه المختلط بعد اختلاطه. كان سوء حفظه مانعاً من قبول روايته عن شيخه لأنه لا يعلم – وحاله هذه – أكان حديثه الذي يرويه قبل اختلاط شيخه أم بعده. وهكذا.
والثاني:-
ما كان طارئاً على الراوي، بسبب مرض أو كبر أو احتراق كتبه أو زوالها لأي سبب وهم من يعرفون بالمختلطين.
فللعلماء في السماع منهم كلام وتفصيل:
فقد صنف العلائي الرواة المختلطين إلى ثلاثة أصناف وهم:-
أولاً:-
ما لم يوجب ذلك له ضعفاً أصلا ولم يحط من مرتبته أما لقصر مدة الاختلاط وقلته كسفيان بن عينة، وإسحاق بن إبراهيم بن راهوبة. وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم. واما لأنه لم يرو شيئاً حال اختلاطه فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم وعفان بن مسلم.
ثانياً:-
من كان متكلما فيه قبل الاختلاط فلم يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه، كابن لهيعة، ومحمد بن جابر التميمي ونحوهما.
ثالثاً:-
من كان محتجاً به ثم اختلط أو عمي في آخر عمره فحصل الاضطراب فيما روى بعد ذلك، فيتوقف الاحتجاج به على التمييز بين ما حدث به قبل الاختلاط عما رواه بعد ذلك.
وقد نص ابن جماعة على وجوب التحري عن حال المختلطين لكي يعلم ما روى قبل الاختلاط عما روى بعده. فقال: (وهؤلاء منهم من اختلط لخرفه بكبره أو لذهاب بصره أو لغير ذلك فيقبل ما روى عنهم قبل الاختلاط ويرد ما بعده وما شك فيه).
وبهذا صرح ابن الصلاح في مقدمته.
وفي سبيل تحقيق هذا الأمر فقد دون العلماء تواريخ ولادات المحدثين ووفياتهم وتواريخ اختلاطهم من اجل أن يميزوا ما سمع منهم قبل اختلاطهم عما سمع منهم حال التغير والاختلاط.
فاسمع إلى ابن الصلاح وهو يقول: (سعيد بن أبي عروبة، قال يحيى بن معين خلط سعيد بن أبي عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين واربعين – يعني ومائة – ومن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء، ويزيد بن هارون، صحيح السماع منه، بواسط وهو يريد الكوفة، واثبت الناس سماعاً منه، عبدة بن سليمان).
¥