أما ابن حبان فلم يفصل في المسألة كما فعل الحميدي بل عد كل من يقبل التلقين من المجروحين الذين لا يحتج بهم لأنهم يكذبون من حيث لا يعلمون.
وصرح العلماء أن من كثر وهمه سقط حديثه حتى عن الاعتبار، فقد جاء في سؤلات البرقاني للدار قطني قوله: (سألت أبا الحسن علي بن عمر عن الجراح أبي وكيع فقال ليس بشيء هو كثير الوهم قلت يعتبر به قال لا).
ومما تجدر الإشارة إليه إن صاحب الأوهام لا يلزم أن يكون الوهم ملازماً له في سائر أحواله فقد يكون كثير الغلط إذا حدث عن حفظه ثبتا إذا حدث من كتابه فيقبل منه ويرد عليه بحسب غلطه وتثبته.
قال ابن حجر: (عبد الله بن صالح بن محمد الجهني أبو صالح المصري كاتب الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه).
وكثرة الأوهام هذه تنزل بصاحبها وان كان صدوقا في ذات نفسه، بل قد تنزل من منزلة من يطلب السماع ممن عرف بكثرة أوهامه. فقد صرح الخطيب انه يكره للمحدث أن يطلب السماع ممن هو على هذه الشاكلة فقال: (إذا كان الراوي صحيح السماع غير انه متساهل في الرواية، معروف بالغفلة فالسماع منه جائز غير انه مكروه).
قال الحاكم: (أبو حذيفة موسى بن مسعود المهدي، وان كان البخاري يحتج به فانه كثير الأوهام لا يحكم له على أبي عاصم النبيل، ومحمد بن كثير واقرانهم، بل يلزم الخطأ إذا خالفهم).
المطلب الرابع
حكم رواية من غلبت عليه المخالفة
والمقصود بالمخالفة عند المحدثين: أن يخالف الراوي من هو أوثق منه، أو جمعاً من الثقات. أما التفرد في الرواية فمعناها: أن ينفرد الراوي بالحديث فلا يشاركه في رواية ذلك الحديث.
وقد نص أئمة الجرح والتعديل على أن المخالفة قادحة في ضبط الراوي ومانعة من قبول روايته. قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري: (أسباب الجرح مختلفة ومدارها على خمسة أشياء، البدعة، أو المخالفة، أو الغلط، أو جهالة الحال، أو دعوى الانقطاع).
وقال في موضع آخر: (الطعن أما أن يكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك، أو فحش غلطه أو غفلته عن الإتقان، أو فسقه أو وهمه بأن يروى على سبيل التوهم، أو مخالفته للثقات، أو لجهالته أو لبدعته، أو سوء حفظه).
-واخرج الرامهرمزي بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي قال: قيل لشعبة متى يترك حديث الرجل؟ قال: إذا روى عن المعروفين ما لم يعرفه المعروفون فاكثر وإذا اكثر الغلط وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديث غلط مجتمع عليه فلم يتهم نفسه فيترك طرح حديثه.
وليس كل من ثبتت عليه مخالفة للثقات نزعت الثقة منه وعد غير ضابط، بل المعول عليه في ذلك هو المخالفة الغالبة.
قال السيوطي (يعرف ضبط الراوي بموافقته الثقات المتقنين الضابطين إذا اعتبر حديثه بحديثهم فان وافقهم في رواياتهم غالبا ولو في المعنى فضابط، ولا تضر مخالفته النادرة لهم، فان كثرت مخالفته لهم وندرت الموافقة اختل ضبطه ولم يحتج به).
والمخالفة أما أن تصدر عن ثقة حافظ أو عن رجل معروف بالغفلة وكثرة الأوهام وسوء الحفظ أو عن رجل متهم بالكذب، فيخالف فيه الراوي ما هو محفوظ عند المحدثين. ولكل صنف من هذه المخالفات اثر يختلف عن غيره يتضح فيما يأتي:
1. إذا خالف الثقة غيره من الثقات فيسمى حديثه بـ (الشاذ).
2. وإذا خالف من هو متهم بالغفلة وسوء الحفظ وكثرة الأوهام غيره من الثقات فان حديثه هذا يسمى بـ (المنكر).
3. وان خالف من هو متهم بالكذب غيره فان حديثه يسمى بـ (المتروك).
وسنتكلم على كل واحد من هذه الأنواع إن شاء الله تعالى:-
فإذا أنعمنا النظر في الشذوذ والنكارة وجدنا أن طريقهما شائك وانهما يتداخلان من جهات ويختلفان من جهات أخرى، وقد قال السيوطي ان (تعريف الشاذ عسير، ولعسره لم يفرده العلماء بالتصنيف).
وللعلماء بصورة عامة خطان في تعريفهم للشاذ.
الأول:- مراعاة التفرد وحسب وهو ما تبناه الحاكم ومن وافقه فقد قال: (واما الشاذ فانه حديث ينفرد به ثقة من الثقات، وليس للحديث اصل متابع لذلك الثقة) بقطع النظر عن كون ما ينفرد به هذا الثقة مخالفاً للمروي أو موافقا له وقال أبو يعلى (والذي عليه حفاظ الحديث: الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة).
¥