تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والخط الثاني:- وهو ما عليه جمهور المحدثين وفيه يراعى التفرد والمخالفة في آن واحد حتى يكون الحديث شاذاً. قال أبو يعلى القزويني: (قال الشافعي وجماعة من أهل الحجاز الشاذ عندنا ما يرويه الثقات على لفظ واحد، ويرويه ثقة خلافه زائدا أو ناقصا).

وقال ابن حجر: (الشاذ هو ما خالف الثقة فيه من هو ارجح منه).

ولا شك إن مذهب الجمهور وهو ما عبرنا عنه بالخط الثاني اصح في تعريف الشاذ لأن مذهب الحاكم يلزم منه أن نحكم على طائفة كبيرة من الأحاديث الصحيحة بالشذوذ. ويكفي في ذلك أن نعلم ان حديث الأعمال بالنيات الذي جعله الإمام البخاري مفتاح كتابه (مختصر الجامع الصحيح) فأنه تفرد به عمر ? عن النبي ? وتفرد به عن عمر علقمه بن قيس وتفرد به عن علقمه محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عنه يحيى بن سعيد الأنصاري ثم شاع بعد ذلك).

فإذا عرفنا حد الشذوذ واراء العلماء فيما يصح أن يسمى شاذا بقي أن نعرف ان كلام علماء الحديث الذي سنورده في الشذوذ ليس محمولاً عن إطلاقه وانما هو متجه إلى من غلب عليه الشذوذ اذ ليس من راو إلا وقد وقع في المخالفة النادرة بحسب الطبيعة البشرية.

يقول ابن حجر في أثناء كلامه على الشذوذ: (ومع ذلك فلا يخرج الرجل بذلك عن العدالة لانه ليس بمعصوم من الخطأ والوهم إلا إذا بين له خطؤه فاصر).

فمن أقوال أئمة الحديث في الشذوذ واهله:

-اخرج الخطيب بسنده إلى شعبة بن الحجاج قوله (لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ).

-وروي عن احمد بن حنبل انه قال: (شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها).

وروى عن الإمام مالك بن انس انه قال: (شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس).

وقد حذر الخطيب طالبي الحديث عن تتبع الشواذ والغرائب وعد ذلك انحرافاً عن منهج السلف فقال: (واكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهور وسماع المنكر دون المعروف والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ في رويات المجروحين والضعفاء … وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم ونقصان علمهم وزهدهم في تعلمهم، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والإعلام من أسلافنا الماضين).

واما المنكر فهو ما يرويه الضعيف مخالفاً فيه غيره من الثقات، وهو النوع الثاني من المخالفة التي يقع فيها بعض رواة الحديث، وهي اشد من مخالفة الشذوذ لأنها مشتملة على نقيصتين. الأولى:- المخالفة والثانية:- ضعف الراوي.

والحديث إذا وصف بأنه منكر فانه يقابل المعروف، لأنه لا يمكن أن يوصف بالنكارة إلا لأنه يقابل ضدها وهو المعروف. كذلك إذا وصف الحديث بالشذوذ فانه يقابل ضده وهو المحفوظ.

والعلماء متفقون على رد حديث من غلب عليه رواية المناكير فقد قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه وهو يتحدث عمن لم يخرج لهم في صحيحه: (وكذلك من الغالب على حديثه المنكر والغلط امسكنا أيضا عن حديثهم).

وقد صنف ابن الصلاح المنكر إلى صنفين:-

الأول:- وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات ومثل له بحديث (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فخالف فيه مالك غيره من الثقات (في الإسناد) في قوله (عمر بن عثمان بضم العين).

والثاني:- وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة ما يحتمل معه تفرده، ومثل له بحديث (عائشة ?، إن رسول الله ? قال: (كلوا التمر بالبلح) فان الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول: (عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق) تفرد به (أبو زكير) وهو شيخ صالح اخرج عنه (مسلم) في كتابه غير انه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده).

وكلام ابن الصلاح مبني على عدم التمييز بين الشاذ والمنكر، وعلى اعتبار التفرد وحده شذوذاً في الرواية. وقد صرح أن الشذوذ بمعنى النكارة حيث قال: (والمنكر ينقسم إلى قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فانه بمعناه).

وهذا بعيد لان ما خالف فيه الثقة غيره من الثقات لا يمكن أن تساوى مع ما خالف فيه الضعيف غيره من الثقات. وإلى هذا المعنى يشير السيوطي في ألفيته حينما قال:

المنكر الذي روى غير الثقة مخالفاً في نخبة قد حقفه

قابله المعروف والذي رأى ترادف المنكر والشاذ نأى

أي وقد نأى وبعد عن الصواب من رأى المساواة بين الشاذ والمنكر وهو يعني ابن الصلاح.

وكذلك أشار ابن حجر في شرحه لنخبة الفكر حين قال: (وقد غفل من سوى بينهما).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير