وقال عنه ابن عدي: (أحمد بن صالح من جلة الناس ولولا إني شرطت في كتابي إن أذكر من تكلم فيه لكنت أجل أحمد أن أذكره). ومع هذا فقد تكلم فيه لكن لا يسمع له لاستفاضة عدالته واشتهار ضبطه.
ومن ذلك أيضا كلام ابن معين في الإمام الشافعي، قال الذهبي: (قد أذى ابن معين نفسه بذلك ولم يلتفت الناس إلى كلامه في الشافعي ولا إلى كلامه في جماعة من الاثبات. كما لم يلتفتوا إلى توثيقه لبعض الناس فإنا نقبل قوله دائما في الجرح والتعديل ونقدمه على كثير من الحفاظ ما لم يخالف الجمهور في اجتهاده، فإذا انفرد بتوثيق من لينه الجمهور أو بتضعيف من وثقه الجمهور وقبلوه فالحكم لعموم أقوال الأئمة لا لمن شذ).
وكلام الذهبي هذا ينطبق بصورة عامة على كل أحكام أهل الجرح والتعديل وليس مقتصرا على أحكام ابن معين. فبهذا الاعتبار نفسه أعرض المحدثون عن توثيق الشافعي لإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي. إذ الجمهور على تضعيفه.
الضابط الخامس: اعتبار صحة صدور الجرح عن الجارح من عدمه:
ومن الأمور التي يجب مراعاتها عند التعارض بين الجرح والتعديل، النظر في صحة صدور الجرح عن الجارح إذ ليس كل ما وصل إلينا من جراحات ثابتة الصدور عمن نسبت إليهم، فقد يكون الجرح منقولا عن طريق أناس مجرحين وبالتالي فلا يسلم لهم في تجريح من جرحوه. وكذلك الحال في التعديل إذ ليس كل من عدل لنا قبل بل يجب النظر في الرواية التي نقلت إلينا هذا التعديل فربما كان فيها من يكون سببا في رد تلك الرواية.
فمن ذلك ما نقل عن ابن عمر إنه قال: (لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس) وقد علق ابن حجر على هذه المسألة فقال: (فقول ابن عمر لم يثبت عنه لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر يقول ذلك، ويحيى البكاء متروك الحديث، قال ابن حبان: ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح).
وفي أثناء كلام ابن حجر على عبد الله ابن بريدة قال: (لم يثبت أن أحمد ضعفه وإنما تكلم فيه للإرسال).
وقال في موضع آخر (عثمان بن عمر بن فارس لم يثبت عن القطان أنه تركه).
وفي تأريخ بغداد يرد الخطيب ما نسب إلى ابن الباغندي من التصحيف فيقول: (لم يثبت من أمر ابن الباغندي ما يعاب به سوى التدليس ورأيت كافة شيوخنا يحتجون به).
وقد جرح قتادة بن دعامة السدوسي بأنه كان يقول بالقدر: يقول عنه ابن حجر (أحد الإثبات المشهورين كان يضرب به المثل في الحفظ إلا إنه كان ربما دلس وقال ابن معين رمي بالقدر، وذكر ذلك عنه جماعة، أما أبو داود فقال: لم يثبت عندنا عن قتادة القول بالقدر).
ومثال ما نقل من التعديل برواية من لا يحتج به ما رواه عبد العزيز البغوي عن سليمان بن أحمد قال: (سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت شاميا أثبت من فرج بن فضالة).
قال ابن حجر: (لا يغتر أحد بالحكاية المروية في توثيقه عن ابن مهدي لأنها من رواية سليمان بن أحمد-وهو الواسطي-وهو كذاب).
الضابط السادس: اعتبار صحة الجرح في حق المجروح من عدم ذلك:
ومما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار ما إذا كان الجرح صحيحا ثابتا في حق المجروح. فكم من جرح ألصق بأناس هم منه براء ولكنهم جرحوا خطأ أو توهما. وفي سبيل دفع احتمالية الوقوع بمثل هذا المحذور يجب على طلاب الحقيقة والإنصاف أن يطلعوا على جميع ما قيل في ذلك الراوي لكي يستطيعوا أن يقتربوا من الحقيقة أكثر وأكثر.
فمثال ما جرح به الراوي على سبيل التوهم ما ذكره ابن حجر في ترجمة هارون الغنوي بقوله:
(وأما قول المؤلف وهاه شعبة فيما قيل، فأجاد في تمريض هذا القول ولا أصل لذلك عن شعبة وإنما قال ابن الجوزي في الضعفاء له قال شعبة: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أقول حدثنا أبو هارون الغنوي كذا نقل ابن الجوزي وهذا خطأ نشأ عن تصحيف وإنما هو أبو هارون العبدي، وهو عمارة بن جوين مجمع على ضعفه، وقد نقل ابن الجوزي هذا القول عن شعبة في ترجمة أبي هارون العبدي أيضا وهو الصحيح).
فأنظر كيف كان التوهم سببا في سحب الثقة عن رجل هو من أهل العدالة والرضى.
ومنه ايضا ما أورده الحافظ الذهبي في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة اليحصبي فقال: (صدوق، أخطأ ابن حبان بذكره في الضعفاء، وعمدته أن البخاري قال: (تركناه) كذا نقل فوهم على البخاري إنما قال البخاري: (تركناه حيا سنة اثني عشرة ومائتين).
¥