وتكلم عليه ابن حجر في مقدمته لفتح الباري فقال: (وقال ابن حبان في كتاب الثقات (كان متقنا) ثم غفل غفلة شديدة فذكره في الضعفاء وروى عن البخاري أنه قال: (تركناه) وهذا خطأ من ابن حبان نشأ عن حذف وذلك أن البخاري إنما قال في تأريخه: (تركناه حيا سنة اثني عشرة-يعني ومائتين-فسقط من نسخة ابن حبان لفظة (حيا) فتغير المعنى).
واما ما جرح به الراوي بسبب خطأ في الحكم على ذلك الراوي فمثاله ما رواه الذهبي في ترجمته لعبد الله بن بكير خمق فقال:
(الإمام المحدث الحافظ الصدوق أبو زكريا القرشي المخزومي مولاهم البصري،… كان غزير العلم عارفا بالحديث وإمام الناس بصيرا بالفتوى صادقا دينا وما أدري ما لاح للنسائي منه حتى ضعفه وقال مرة ليس بثقة وهو جرح مردود فقد احتج به الشيخان، وما علمت له حديثا منكرا).
وكذلك الحال مع عبد الله بن عصمة فقد ذكره ابن حجر في تلخيص الحبير وفند ما جرح به لأنه جرح غير صحيح بل مردود على من جرح به فقال: (وزعم عبد الحق أن عبد الله بن عصمة ضعيف جدا ولم يتعقبه ابن القطان، بل نقل عن ابن حزم أنه قال: هو مجهول، وهو جرح مردود فقد روى عنه ثلاثة واحتج به النسائي).
وفي ترجمة الذهبي لمحمد بن حاتم بن ميمون السمين ما يدخل ضمن هذا الضابط، فقد جاء فيها: (هو الحافظ الإمام أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي سمع عبد الله بن إدريسي وسفيان بن عيينة وابن عليه ووكيعا والقطان وأمثالهم وعنه مسلم وأبو داود والحسن بن سفيان وأحمد بن الحسن الصوفي وآخرون وثقه ابن عدي والدارقطني… وقال أبو حفص الفلاس ليس بشيء قلت: هذا جرح مردود).
الضابط السابع: اعتبار عدالة الجارح:
ومن الضوابط التي يجب مراعاتها عند الموازنة بين الجرح والتعديل مراعاة عدالة الجارح فقد يكون من يصدر الجرح بحق رواة الحديث هو نفسه مجروحا وبالتالي فلا يكون لجرحه وزن أمام تعديل المعدلين لأنه جرح فاقد لشروط صحته التي تكلمنا عنها آنفا وأهمها أن يكون الجارح عدلا. وكذلك بالنسبة إلى التعديل فلا يعبأ بتعديل صادر عن شخص فاقد للعدالة فمن ذلك ما جاء في ترجمة أحمد بن شبيب الحبطي قال ابن حجر: (قال (عنه) ابن عدي قبلة أهل العراق ووثقوه وكتب عنه علي بن المديني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو الفتح الأزدي منكر الحديث غير مرضي قلت: لم يلتفت أحد إلى هذا القول بل الأزدي غير مرضي).
وقال في موضع آخر: (لا عبرة بقول الأزدي لأنه هو ضعيف، فكيف يعتمد في تضعيف الثقات).
ومنه أيضا قول عبد الرحمن بن يوسف بن خراش في عمرو بن سليم الزرفي (ثقة في حديثه اختلاط) فقد علق ابن حجر على هذا بقوله: (ابن خراش مذكور بالرفض والبدعة فلا ينظر إليه وقال أيضا: (وقول الأزدي لا عبرة فيه إذا أنفرد).
ومنه كذلك ما طعن فيه على الفضيل بن عياض، يقول الذهبي في ترجمته للفضيل (وهو حجة كبير القدر ولا عبرة بما نقله أحمد بن أبي خيثمة سمعت قطبة ابن العلاء يقول تركت حديث فضيل بن عياض لأنه روى أحاديث أزرى (بها) على عثمان بن عفان، قلت فلا نسمع قول قطبة ليته اشتغل بحاله فقد قال البخاري فيه نظر وقال النسائي وغيره ضعيف).
الضابط الثامن: اعتبار كون ما جرح به الراوي جرحا في حقيقة أمره أم لا:
ومن الضوابط المعتبرة في عملية الموازنة بين الجرح والتعديل عند اجتماعهما في راو واحد اعتبار ما إذا كان الجرح جرحا في حقيقة أمره أم لا؟ فكم من أناس جرحوا فلما استفسر الجارح ذكر ما لا يوجب جرحا ولا يسقط عدالة. فإذا كان الحال على ما ذكرناه فإن مثل هذا الجرح لا يعارض به تعديل المعدلين.
وكذلك الأمر في التعديل فقد يعدل المعدل راويا بما ليس بمعدل. وبالتالي فلا ينظر إلى مثل هذا التعديل أو ذلك الجرح.
فمثال الجرح بما ليس بجارح ما رواه الخطيب بسنده إلى محمد بن جعفر المدائني قال: قيل لشعبة لم تركت حديث فلان؟ قال رأيته يركض على برذون فتركته).
¥