تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمراد من هذا الضابط مراعاة ما إذا كان الراوي الذي وقع عليه جرح الجارحين قد أخرج له الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما أم لا. فإن جمهور العلماء من أهل السنة على توثيق من كان من رواة الصحيحين. لكن ينبغي أن نعلم قبل هذا أن رواة الصحيح الذين أخرج لهم الشيخان هم على قسمين:

الأول: وهم الذين أخرجا لهم في الأصول.

الثاني: وهم الذين أخرجا لهم في المتابعات والشواهد.

فأما القسم الأول وهم الذين أخرجا لهم على سبيل الاحتجاج فهم على قسمين كذلك:

1.من لم يتكلم فيه بجرح، لكن لم ينص أحد كذلك على توثيقه فهؤلاء لا يختلف في وثاقتهم لأنهم اكتسبوا التوثيق من البخاري ومسلم بإخراجهما لحديثهما ومعلوم أنهم لا يخرجون-وخاصة في الأصول-إلا عن ثقة.

2.من تكلم فيه بجرح وهم على صنفين كذلك:

أ. من تكلم فيه تعنتا وتجاوزا والجمهور على توثيقه، فهذا لا يلتفت إلى مجرحه.

ب. من كان الكلام في تليينه له اعتبار فهذا لا ينحط حديثه كما قال ابن حجر عن مرتبة الحسن لذاته، وهذا الذي يقوله ابن حجر في هذا الصنف إنما هو ناشئ عنده من دراسة واستقراء لأحوال الرجال فقد توصل إلى أنه (… ينبغي أن يزاد في التعريف بالصحيح فيقال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا). أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم الحكم عليها بالصحة إلا بذلك.

في حين أن غيره من العلماء لا يفصلون هذا التفصيل بل ينظرون بعين الثقة إلى كل من أخرج له في الصحيحين.

فقد (كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه).

وهذا الذهبي يقول في ترجمته لرفاعة بن رافع بن خديج: (قال القطان رد خبر رفاعة وقال: لا يصح لأن رفاعة لا يعلم أحدا روى عنه غير ابنه عبابة ولا يعلم لرفاعة سماعا من رافع قلت: بعد أن أخرج له البخاري لا يلتفت إلى مضعفه).

وأما القسم الثاني: وهم الذين أخرجا لهم في المتابعات والشواهد:

فهؤلاء تتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم وحينئذ إذا وجد لغير الإمام في أحد منهم طعن فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام-يعني البخاري ومسلم-فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وضبطه مطلقا أو في خبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح).

الضابط الثالث عشر: اعتبار سياق الكلام وقرائن الأحوال:

وهو من الضوابط الخفية إذ يوجب هذا معرفة المناسبة التي أصدر الحكم منها على الراوي فقد يكون الحكم نسبيا باعتبار من قرن معه. فقد يسأل عن المتوسط الحال مقرونا مع الضعفاء فيقال: فلان ثقة وهو لا يريد أنه ثقة مطلقا بل مقارنة مع من ذكر من الضعفاء. وقد يسأل كذلك عن المتوسط مقرونا مع من هو أوثق منه فيقال: هو ضعيف ولا يراد أن ضعيف مطلقا. ومثاله أن عثمان الدارمي سأل يحيى ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن فقال: (ليس به بأس) قال قلت: هو أحب إليك أو سعيد المقبري فقال: (سعيد أوثق والعلاء ضعيف). أي أن العلاء ضعيف مقارنة بالمقبري وإلا فإن قوله (ليس به بأس) توثيق منه له. وقد نص الإمام السخاوي على هذا فقال:

(فتضعيف ابن معين للعلاء إنما هو نسبة لسعيد المقبري وليس تضعيفا مطلقا).

ومنه أيضا قول أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم بن أبي عدي وأزهر ابن سعد السمان: (ابن أبي عدي أحب إلى من أزهر). مع أن أزهر بن سعد هذا لا مجال للكلام في وثاقته (فقد ذكره ابن حبان في الثقات،… وقال ابن معين أروى الناس عن ابن عون وأعرفهم به أزهر).

الضابط الرابع عشر: اعتبار ما إذا كان للراوي تميز واختصاص في نوع من علوم الشرع فيوثق في ذلك العلم خاصة دون غيره. إذا لم يثبت عليه ما يسقط روايته مطلقا. وأما في سوى ذلك فقد تقصر درجته عن الاحتجاج أو حتى عن الاعتبار.

مثال ذلك عاصم بن أبي النجود المقرئ المشهور وأحد القراء السبعة. يقول فيه الذهبي: (كان عاصم ثبتا في القراءة، صدوقا في الحديث، وقد وثقه أبو زرعة، وجماعة وقال أبو حاتم محله الصدق، وقال الدارقطني في حفظه شيء. يعني: للحديث لا للحروف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير