الضابط السابع عشر: اعتبار عدد المعدلين بعدد الجارحين، وهذا الاعتبار وإن لم يكن محل إجماع بين العلماء بل الجمهور على أن لا قيمة لعدد المعدلين إذا ثبت جرح الراوي. إلا إنه يعد من الاعتبارات الخاصة ببعض العلماء فالأمانة العلمية تدعونا إلى أن نسجل أن بعض العلماء كان يرى أنه يصار عند التعارض إلى اعتبار العدد بين الجارحين وبين المعدلين، فإن كان الجارحون أكثر حمل على الجرح وإن كان الغلبة في العدد للمعدلين حمل على التعديل.
قال ابن الصلاح: (إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل فإن كان عدد المعدلين أكثر فقد قيل التعديل أولى).
وممن ذهب إلى اعتبار العدد في الحكم بعض المالكية فقد نقلت الدكتورة عائشة بنت الشاطئ في تحقيقها لمقدمة ابن الصلاح قول القاضي عياض عن أصل مخطوط أنه (ذهب بعض المالكية إلى توقف الأمر عند التكافؤ) (وقال الشيخ مجد الله البهاري إذا تعارض الجرح والتعديل فالتقديم للجرح مطلقا وقيل للتعديل عند زيادة المعدلين).
ويفهم من كلام القاضي عياض أنهم مع التعديل إذا كان المعدلون أكثر لأنهم لا يكونون مع الجرح عند التكافؤ.
الضابط الثامن عشر: مراعاة اتحاد المجلس أو اختلافه بين الجارح والمعدل ونعني بهذا الضابط إنه إذا تعارض الجرح والتعديل في شخص ما فإنه يصار إلى اعتبار المجلس بين الجارح والمعدل. فإذا قال المجرح رأيت فلانا بالأمس يشرب الخمر وقال المعدل بل ما فارقني فلان نهار أمس فللعلماء هنا مذاهب منهم من يرى التوقف عن الحكم لأنه تكاذب بين الجارح والمعدل. ويرجع إلى الأصل فإن كان من قبل محمولا على العدالة بقي عليها، وإن كان محمولا على الجرح بقي مجرحا.
ومنهم من قال ينظر في مثل هذا حال الجارح والمعدل ويوازن بينهما ويقضى للأعدل منهما قال العلوي في حاشيته على النخبة: (ثم الترجيح للتعديل بجودة الأسانيد من حيث ثقاة الرواة).
أما إذا كانت الشهادتان أي شهادة المعدل والجارح مختلفتين في المجلس كأن يقول الجارح رأيت فلانا يشرب الخمر نهار أمس ويقول المعدل ما خرجنا اليوم من المسجد فالحكم هنا للجارح لأنه لا تنافي بين الشهادتين لتباين مجلسهما.
واما إذا كانت الشهادتان متباعدتين قضي بآخرهما.
وتفصيل هذا كله فيما ذكره القاضي عياض رحمه الله حينما قال: (فإذا قال المعدل هو عدل ورضى وقال المجرح فاسق رأيته أمس يشرب الخمر، فلا تنافي بين الشهادتين، وقد أثبت هذا فسقا لم يعلمه الآخر، فإما لو قال المعدل ما فارقني أمس من الجامع، ومثل هذا فقد تعارضت الشهادتان، ولعل توقف من توقف من أصحابنا لهذا الوجه. وقال اللخمي: (إذا اختلافهما في ذلك في مجلس أو فعل فعله، قضي بالأعدل لأنه تكاذب… وإن كان عن مجلسين متباينين غلب الجرح، وإليه يرجع قول الجمهور، وإن تباعدت شهادة المعدل من شهادة المجرح قضي بآخرهما، وهذا مما لا يختلف فيه إلا أن يعلم أنه كان حين شهد عليه بتقديم الجرح، ظاهر العدالة إذ ذاك بحسب ما هو عليه الآن، فيغلب الجرح).
الضابط التاسع عشر: مراعاة حفظ المعدلين قياسا إلى حفظ الجارحين. وقد ذكر هذا الضابط الإمام البلقيني في محاسن الإصلاح فإذا كان الجارحون أحفظ من المعدلين كان الحكم لهم وإن كان المعدلون أحفظ من الجارحين كان الحكم لهم.
الضابط العشرون: مراعاة ما إذا كان للجارح او المعدل قول آخر متابع له أم لا.
ومعنى هذا أن الجرح وأن كان الجمهور على أنه يثبت بقول واحد من أهل الجرح والتعديل لكن ليس هذا محل اتفاق وليس هو مرضيا من قبل كل الجارحين فأئمة الجرح غير المتشددين منهم يقبل تفردهم وغيرهم لا يقبل إذا عارضه تعديل المعدلين بل يراعى وجود المتابع له من عدمه.
قال العلائي في كتاب المختلطين في ترجمته لهشام بن عروة بن الزبير: (ذكر ابن القطان في أثناء كلام له أن هشاما هذا تغير واختلط وهذا القول لا عبرة به لعدم المتابع).
¥