لاشك في أن العلماء حينما تكلموا على رجال الحديث جرحا وتعديلا كان ذلك بسبب تفاوت الرواة أنفسهم إذ فيهم الحافظ المتقن وفيهم من هو دون ذلك في الحفظ كما أن فيهم الكذاب والمتهم وسيء الحفظ فاصدروا أحكامهم وجعلوا لكل مرتبة من مراتب الرواة ألفاظا خاصة بها.
وقد اختلفت مذاهب العلماء في تقسيم الرواة من حيث القبول والرد إلى مذاهب شتى فمنهم من جعلهم ثلاث طبقات ومنهم من جعلهم أربعا أو خمسا أو ستا. كل حسب اجتهاده ومنهجه في الرجال.
مراتب الرواة:
لقد جعل الإمام عبد الرحمن بن مهدي الرواة على ثلاث طبقات كما أخرج ذلك عنه الخطيب في الكفاية حيث قال: (الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه، وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه).
وكذلك فعل ابن منده في تقسيمه للرواة إلى ثلاث طبقات:
(فطبقة منها مقبولة باتفاق وهم على رتب ومنازل… وطبقة قبلها قوم وتركها آخرون لاختلاف أحوالهم في النقل والرواية وطبقة أخرى متروكة وهم على مراتب في الضعف).
ونص الدكتور نجم عبد الرحمن خلف في دراسته الاستقرائية للسنن الكبرى ومنهج الإمام البيهقي في الجرح والتعديل أن الرواة عند البيهقي على ثلاث رتب.
الأولى. وهم الثقات وتشمل الصحابة والأئمة الحفاظ المتقنين.
الثانية. وهم الضعفاء الذين يكتب حديثهم للاعتبار.
الثالثة. وهم من يرد حديثهم ولا يكتب وهم المتروكون عند أئمة النقد أو ممن عرفوا بالكذب عمدا أو توهما أو غفلة فيترك حديثهم ولا ينظر إليه ولا يلتفت.
ومن الأئمة من جعل الرواة على أربع مراتب كابن رجب الحنبلي فقد قال في شرحه لعلل الترمذي:
والرواة ينقسمون على أربعة أقسام:
أحدها: من يتهم بالكذب.
الثاني: من لا يتهم ولكن الغالب على حديثه الوهم. وأن هذين القسمين يترك تخريج حديثهما إلا لمجرد معرفتهما.
الثالث: من هو صادق ويكثر من حديثه الوهم ولا يغلب عليه وقد اختلف العلماء في الأخذ عنهم.
الرابع: الحفاظ الذين يندر أو يقل الغلط والخطأ في أحاديثهم وهذا هو القسم المحتج به بالاتفاق.
أما ابن أبي حاتم فقد جعلها خمس مراتب فقال:
- (منهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث فهذا الذي لا يختلف فيه ويعتمد على جرحه وتعديله ويحتج بحديثه وكلامه في الرجال.
- ومنهم العدل في نفسه الثبت في روايته الصدوق في نقله الورع في دينه الحافظ المتقن فيه، فذلك العدل الذي يحتج بحديثه ويوثق في نفسه.
- ومنهم الصدوق الورع الثبت الذي يهم أحبانا وقد قبله الجهابذة النقاد فهذا يحتج بحديثه.
- ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والغلط والسهو، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام.
- ومنهم من ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة ومن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال أولي المعرفة منهم الكذب فهذا يترك حديثه وتطرح روايته.
أما الإمام أحمد فقد جعل الرواة على ست مراتب ثلاث منها مختصة بالضعفاء وثلاث خاصة بأهل العدالة والصحة.
فقد جاء عنه في بحر الدم: (ثم الضعفاء):
- منهم من هو ضعيف للغاية.
- ومنهم من هو متوسط في الضعف.
- ومنهم من الضعف فيه قليل.
كما إن أصحاب الصحة:
- من هو مرتفع إلى الغاية.
- ومنهم من هو متوسط.
- ومنهم من هو دون ذلك.
أما أبو علي الحسين بن محمد الجياني فقد جعل الناقلين على سبع طبقات ثلاث منها مقبولة وثلاث مردودة والسابعة مختلف فيها:
- فالأولى: من المقبولة أئمة الحديث وحفاظهم يقبل تفردهم وهم الحجة على من خالفهم.
- والثانية: دونهم في الحفظ والضبط لحقهم بعض وهم.
- والثالثة: قوم ثبت صدقهم ومعرفتهم لكن جنحوا إلى مذاهب الأهواء من غير أن يكونوا غلاة ولا دعاة. فهذه الطبقات احتمل أهل الحديث الرواية عنهم وعليهم يدور نقل الحديث ..
- والأولى من المردودة: من وسم بالكذب ووضع الحديث.
- والثانية: من غلب عليه الوهم والغلط.
- والثالثة: قوم غلوا في البدعة ودعوا إليها فحرفوا الروايات ليحتجوا بها.
- وأما السابع المختلف فيها: فقوم مجهولون انفردوا بالرواية فقبلهم قوم وردهم آخرون.
مراتب ألفاظ الجرح والتعديل:
¥