وهو شرط عدالة الراوي، وأن الأظهر فيه وفي حد العدالة، أو في صفة الرجل العدل في رواية حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن يكون في أكثر أحواله مطيعا لله -تعالى-.
والشرط الثاني، وهو شرط الإتقان أو الضبط: فرجل الحديث الصحيح لا بد أن يكون متقنا ضابطا لما يروي، وضبط الحديث سبق أن معناه عند أهل الاصطلاح: أن يكون الغالب على حديث الرجل الصحة والسلامة.
وأن الوهم والخطأ والسهو الذي يقع في الرواية لا يؤثر على ضبط الراوي، ولا يمنع من إجراء أحاديثه عن الصحة، إلا ما ثبت أنه أخطأ فيها، وسبق التمثيل على ذلك.
وبقي في هذا الشرط، أو في هذين الشرطين أن يقال: إن العدالة والضبط الغالب في التعبير عنهما أن يعبر بكلمة ثقة، وهذا هو المشهور أو الغالب في كلام الأئمة.
وقد يعبر عن العدالة والضبط بصحة الرجل أو بصحة الرجال، وهذه وردت في كلام ابن المبارك -رحمه الله- فإنه قد قال: " ليس جودة الحديث قرب الإسناد، ولكن جودة الحديث صحة الرجال ".
يعني: في العدالة والضبط، فإذا قيل: " رجل صحيح " فمعناه أنه قد استوفى شرطين، وهما: العدالة والضبط؛ لأن الحكم ها هنا منصب على الرجال أنفسهم لا على الإسناد بأجمعه.
وبقي أمر آخر في الضبط والعدالة: وهو أن الضبط والعدالة أحيانا يخرج الوصف بهما من إمام واحد، كأن يصف الإمام أحمد راويا بأنه ثقة، أو يصفه على بن المديني أو يصفه يحيى بن سعيد أو يصفه ابن مهدي أو غيره من الأئمة يقول: فلان ثقة، أو فلان عدل ضابط.
فأحيانا عبارة التوثيق تصدر من إمام واحد فحسب، وأحيانا لا بد للإنسان أن يركب من كلام الأئمة ما يستخرج به هذا الوصف.
فأحيانا يوجد من العلماء من يصف بعض الرواة بما يثبت به العدالة، أو تثبت به العدالة دون الضبط، ونجد في كلام الإمام الآخر ما يعطينا الضبط أو الحكم على هذا الراوي من ناحية ضبطه؛ فنركب من هذين الكلامين حكما وهو: " إثبات ثقة الراوي ".
لكن لا ينسب التوثيق إلى من قال، أو إلى من وصفه بالعدالة، كما أنه لا ينسب التوثيق إلى من وصفه بالحفظ والضبط، وإنما يكون الحكم مستخلصا من كلام الأئمة بشقيه، ولا ينسب القول لأحدهما، وإنما ينسب لكل إمام ما قاله في مثل هذه الحالة.
وبهذا ينتهي الشرط الثاني من شروط صحة الحديث وهو: " إتقان الراوي أو ضبطه ".
بقي ها هنا سؤال أورده أحد الإخوة -يوم أمس- وهو: الفرق بين الضابط والحافظ؟
العلماء يعبرون بهما عن الرجل الذي يمثل حديثه الحديث الصحيح، ولكن كلمة الحافظ أشمل من كلمة الضابط؛ لأن كلمة الضابط معناها ضبط ما يرويه فقط.
بعض الرواة ليس له إلا خمسة أحاديث أو عشرة أحاديث، وبعضهم له مائة حديث، وبعضهم له عشرة آلاف، وبعضهم له خمسون ألف حديث؛ فإذا كان ضابطا لهذه الأحاديث التي يرويها فإنه يسمى ضابطا.
وأما الحافظ: فوصف زائد، أو وصف الراوي بالحفظ فهو زيادة على الضبط، فالحافظ -على ما يأتي إن شاء الله- عند أهل العلم يكون مشتهرا بطلب الحديث معروفا به، ويكون ما يعرفه من الأحاديث أكثر مما يجهله، ويكون له عناية بالحديث من معرفة صحيحه وسقيمه، و غير ذلك.
فكل حافظ ضابط ولا عكس، فالضابط لا يطلق عليه حافظ؛ لأنه إذا كان ضابطا لما يرويه -قد يكون ضابطا لما يروي- ولكنه غير مشتهر بطلب الحديث، غير معتنِ به من ناحية معرفة صحيحه وضعيفه ورجاله.
فالشاهد: أن كل حافظ ضابط ولا عكس، فلا يطلق على الضابط حافظا؛ إلا إذا اجتمعت فيه شروط الحافظ، ولكن إذا قيل: " حافظ " أو قيل: " ضابط "؛ صار صاحبه من مرتبة أهل الحديث الصحيح الذين يصحح حديثهم.
ثم -بعد ذلك- ننتقل إلى الشرط الثالث الذي قال المؤلف: " واتصل سنده " اتصال السند معناه: أن يكون كل راو من رواة الحديث قد أخذ الحديث عمن فوقه بإحدى طرق التحمل الصحيحة.
والفوقية تكون من جهة الصحابي؛ فأعلى الإسناد: الصحابي، ثم دونه: التابعي، ثم دونه: تابع التابعي، وهكذا حتى يوصل إلى المصنف.
فكل راو يأخذ ممن فوقه بإحدى طرق التحمل الصحيحة؛ لأن طرق التحمل التي ذكرها أهل العلم ثمانية:
منها ما هو صحيح مثل السماع والقراءة، ومنها ما هو فيه خلاف بين أهل العلم مثل الإجازة والمناولة، ومنها ما هو ضعيف عند أئمة الحديث كالوجادة.
¥