فالشاهد: إذا كانت هذه الطريقة التي تحمل بها حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- صحيحة حكمنا على إسناده بأنه متصل.
فإذا روى عن شيخه بالسماع، سمع من شيخه لفظ الحديث؛ فهذا يكون إسناده متصلا بشيخه.
وإذا روى عن شيخه عن طريق القراءة؛ فكذلك يكون إسناده متصلا، وهكذا بقية طرق التحمل التي صححها أهل العلم.
وأما إذا كانت هذه الطريقة غير صحيحة، أو طريقة التحمل غير صحيحة؛ فإنه يحكم للإسناد بالانقطاع، أو يحكم على الإسناد بأنه إسناد منقطع.
وبهذا القيد: وهو" اتصال السند " يخرج عندنا المنقطع بأنواعه: سواء المرسل أو المدلس أو المعضل أو المنقطع بمعناه الخاص.
فهذه كلها إذا وجدت في الحديث؛ حصل في السند انقطاع، فإن الحديث الصحيح يفقد حينئذ شرطا من شروط الصحة؛ فلا يحكم له بالصحة.
وكذلك يخرج بهذا القيد إذا تحمل الحديث بإحدى طرق التحمل غير الصحيحة مثل: الوصية والوجادة وغيرها.
فهذه مضعفة عند أهل العلم؛ فلو تحمل بها يعني: وجد كتابا لشيخه فرواه عنه دون أن يسمعه منه؛ فإنه حينئذ -تكون هذه الطريقة، أو هذا التحمل- يكون تحملا ضعيفا لا يحكم معه باتصال الإسناد؛ وبهذا يكون الشرط الثالث من شروط صحة الحديث قد تم.
وننتقل إلى الشرط الرابع، قلنا: الشرطان الرابع والخامس شرطان يجب انتفاؤهما عن الحديث حتى يحكم له بالصحة.
والشروط الأول الثلاثة هذه متعلقة بالإسناد: فعدالة الراوي وضبطه واتصال الإسناد لا علاقة لها بالمتن، وإنما الأمر فيها مختص بالإسناد.
والمراد من أنه لا علاقة لها بالمتن يعني: أنها ليست من خصائص المتن، وإلا من ناحية التأثير لها تأثير على المتن.
فالإسناد الذي يكون فيه راو ضعيف، أو يكون فيه راو غير عدل، أو يكون منقطع الإسناد؛ هذا له أثره في الحكم على الحديث.
لأننا نحكم على الحديث حينئذ بأنه حديث ضعيف لا يصح؛ لفقده شرطا من شروط الصحة، وإنما المراد: أنه لا علاقة لهذه الأشياء بالمتن، يعني: أنها ليست من خصائص المتن، وإنما هي من خصائص الإسناد.
وكذلك الشروط الأول: بعضها إذا فقد من الإسناد؛ فإنه يطرح الحديث كلية، ولا يحتج به، ولا يستشهد به.
وبعضها إذا فقد من الإسناد؛ فإن الإسناد يعتبر به، ولو مع فقدها، على معنى: أنه لا يحتج به استقلالا، وإنما يصلح في الشواهد والمتابعات.
فالعدالة -كما تقدم- إذا فقد شرط العدالة -شرط العدالة إذا فقد- طرح الحديث بالكلية وكان وجوده كعدمه، وضبط الراوي إذا لم يفحش فإنه يستشهد به ويكون عاضدا لغيره، ويعضده أيضا غيره.
واتصال الإسناد إذا فقد كان الحديث ضعيفا، لكن إذا جاء له طريق آخر من مخرج آخر؛ فإنه يرقي هذا الحديث -مع انقطاعه- إلى الدرجة التي هي أعلى منه.
وأما بالنسبة بالنسبة للشرطين الآتيين وهما: " الشذوذ والعلة " فهذان الشرطان إذا وجدا في حديث فإنه لا يصلح للاعتبار ولا للاستشهاد.
لأنا إذا حكمنا على حديث بأنه شاذ أو بأنه معل؛ فإنه حينئذ نحكم بأن هذه الرواية خطأ.
وإذا كانت الرواية خطأ، ثبت عندنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقلها ثبوتا جازما لحصول الخطأ المتيقن؛ فلا يصلح حينئذ أن نعضدها.
وأما ما يعضد من الأحاديث فإنه إنما يعضد لأنه متردد الاحتمال، فيحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله، ويحتمل أن يكون -صلى الله عليه وسلم- لم يقله.
ونظرا لهذا؛ إذا جاءنا عن طريق آخر عرضه ورجح لنا أحد الاحتمالين، وأما إذا جزمنا بأن هذه الرواية خطأ قطعا فلم يقعد هناك إلا احتمال واحد فقط.
وأما الرواية المغلوطة أو الشاذة أو المنكرة: فإن هذه يكون عندئذ وجودها كعدمها، ولا تصلح للاستشهاد ولا الاعتبار؛ للاعتقاد الجازم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقلها.
فلم يعد هناك احتمالان يحتاج أحدهما إلى الترجيح، أو ترجيح أحد الوجهين على الآخر.
فالشاهد من هذا كله: أن الشروط الثلاثة الأول متعلقة بالإسناد، والشرطان الآتيان يتعلقان بالإسناد والمتن، يتعلقان بالإسناد والمتن.
والشرطان الآخران أو الآتيان: هذان الشرطان إذا وجدا في الحديث؛ ضعف جدا، ولا يقبل أن يكون شاهدا ولا مشهودا له.
وأما الثلاثة الشروط الأول: ففيها ما يصلح أن يكون شاهدا ومشهودا له وفيها ما لا يصلح.
¥