وأحيانا يكون عندنا راو ثقة، وعندنا راويان أو أكثر ثقتان؛ فإنه حينئذ يرجح رواية الأكثر إذا لم يكن للأقل، يعني: مزيد فضل من بعض النواحي، كما سيأتي بيانه -إن شاء الله-.
وبعد ذلك نأتي إلى الشرط الخامس من شروط صحة الحديث وهو: " السلامة من العلة " هذان الشرطان أشار إليهما المؤلف في قوله:" وزاد أهل الحديث سلامته من الشذوذ والعلة "
فالشرط الخامس: سلامة الحديث من العلة، والعلة أيضا: تقع في الإسناد، وتقع في المتن.
وأيضا إذا أردنا أن نفسر كلام المؤلف في هذه النقطة؛ لا بد أن نرجع إلى تعريفه للحديث المعل.
فالمؤلف -رحمه الله- لما جاء في الحديث المعل جعله هو والمضطرب بمعنى واحد؛ فذكرهما سويا، وعرفهما بتعريف واحد.
فلما جاء قال: المعلل والمضطرب -قال-: هو ما روي على أوجه مختلفة وبكلام المؤلف في ثنايا هذا المبحث؛ يظهر -والله أعلم- أن قوله: روي على أوجه مختلفة يعني: ولم يكن هناك ثمة مرجح؛ فيكون على هذا " المعلل أو المعل " في الحديث: المراد نفي الاضطراب عن الحديث.
والاضطراب في الحديث معناه: هو رواية الحديث عن شيخ على أوجه مختلفة، وكل وجه من هذه الوجوه يرويه جماعة؛ يتعذر معه تخطئة أحد الأوجه وتصحيح أحدها.
والاضطراب في الحديث معناه: هو رواية الحديث عن شيخ على أوجه مختلفة، وكل وجه من هذه الوجوه يرويه جماعة، يتعذر معه تخطئة أحد الأوجه وتصحيح أحدها، فإذا كان عندنا راوٍ، أو عندنا ثقتان -مثلا- يرويان الحديث عن شيخ لهما، على وجه الرفع، وكان هناك ثقتان بمنزلتهما، يرويان هذا الحديث موقوفا وشيخهما ثقة -فهذا الحديث يروى على وجهين: مرفوع وموقوف، وترجيح إحدى الروايتين على الأخرى متعذر، فيحكم على هذا الحديث بالاضطراب، وفي الاضطراب بالذات، الغالب أنه لا ينسب الاضطراب إلى شخص بعينه، وإنما يحكم على الحديث بأنه مضطرب؛ لأن تحميل الثقات بعض الأخطاء، أو أخطاء الحديث، هذا يحتاج إلى دليل وبرهان، لكن في مثل هذا يقال: "هذا حديث مضطرب".
ويقال: "لعل الاضطراب مثلا ... " لكن لا يجزم ممن الاضطراب، فإذا كان الشيخ -راوي الحديث الأصلي- إذا كان مضطربا في هذا الحديث -ثبت أنه مضطرب، ما ثبت على وجه واحد، هذا يضعف الحديث؛ لأن الراوي حينئذ يكون غير تام الضبط وسبق لنا في تصحيح الحديث وفي بيان شروط صحة الحديث: أن يكون تام الضبط، سواء كان بإطلاق أو بتقييد، فهذا الراوي قد يكون تام الضبط، لكن في هذه الحالة ضبطه كان غير تام، فنحكم على الحديث بأنه ضعيف؛ لأن هذا الشيخ الذي اضطرب في الحديث، لم يضبط هذا الحديث، ومن شروط صحة الحديث: أن يكون راويه تام الضبط عند روايته للحديث.
وإذا قلنا: "إن الخطأ أو الاضطراب ليس ناشئا عنه، وإنما ناشئ عن الرواة عنه" -فإنه حينئذ لا يحكم للحديث بالصحة؛ لأنه لم يتبين لنا أحد الوجهين الصحيحين، والصحة هي حكم على الحديث، لكن هنا محتمل، محتمل أن يكون صحيحا، ومحتمل أن يكون غلطا، فلا يحكم له بأحد الوجهين إلا بمرجح، لكن يكون الظاهر من حال الإسناد أنه مضطرب، وهذا بالنسبة للإسناد، وكذلك بالنسبة للمتن، أحيانا يروى المتن على أوجه مختلفة، يرويه الأئمة الثقات الحفاظ، فلا يدرى أي هذه الأوجه أرجح؟ فيحكم على الحديث بالاضطراب.
والمقصود ها هنا: أن الحديث إذا ورد فيه مثل هذا الاضطراب، أو هذه العلة -فإنه لا يحكم له بالصحة؛ لوجود العلة فيه، وهذا التفسير للعلة بالاضطراب، إنما هو تفسير المؤلف -رحمه الله تعالى- ولكن العلة -كما يأتي في موضعها- هي أعم وأشمل مما ذكره المؤلف.
بقي ها هنا أمر، وهو ما الفرق بين الشذوذ والعلة؟ فعلى ظاهر كلام المؤلف: "والأخذ بتفسيره في المعل" الفرق بينهما ظاهر بالتعريف الذي سبق بيانه، لكن إذا أخذنا بأن العلة أعم وأشمل من الشذوذ -فإنه يكون هناك فرق أو فروق بينهما، ستأتي -إن شاء الله- في مظنتها، والشذوذ وإن كان نوعا من أنواع العلة مندرجا في العلة، لكن العلماء -رحمهم الله- يخصونه بالذكر لدقته وعسر أو صعوبة الوصول إليه.
¥