تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولو قيل: إن الحديث الصحيح افترض فيه السلامة من العلة فقط" وسكت عن الشذوذ -لكان الأمر يسيرا، وكان الشذوذ مندرجا تحت العلة، لكن يخصون الشذوذ لأنه -في العادة أو في أغلب الأحيان الشذوذ- لا يكون إلا من ثقة، لكن العلة في الحديث -أحيانا- قد تكون من غير الثقة، وأحيانا تكون مع عدم المخالفة، وأحيانا تكون بالمخالفة، وأما الشذوذ فلا يكون إلا بالمخالفة، والشذوذ -غالبا- لا يكون إلا في سند واحد أو متن واحد، وأما العلة فتستفاد، أو تستفاد العلة إما من كتاب الله، أو من النصوص الأخرى لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو من إجماع أهل العلم، أو إجماع أهل السير، أو غيره كما يأتي -إن شاء الله- في بيان المسالك، ومسالك العلة التي يعلل بها الحديث، فنخلص من هذا كله إلى أن الحديث الصحيح -والمراد به الحديث الصحيح لذاته؛ لأنه هو الذي يتوجه لفظه لفظ الصحيح عند الإطلاق- الحديث الصحيح: لا بد أن يكون مستوفيا لهذه الشروط الخمسة.

تعريف الحديث الصحيح لغيره

بقي الحديث الصحيح لغيره، بما أنا تكلمنا عن الحديث الصحيح لذاته، فبقي الصحيح لغيره، وهذا لم يذكره المؤلف -رحمه الله تعالى-، لم يذكره المؤلف في هذا الكتاب، الصحيح لغيره هذا درجة متوسطة بين الحسن والصحيح لذاته، هو درجة متوسطة بين الصحيح لذاته والحسن لذاته، فالصحيح لذاته يعني: إنه يصح دون أن يحتاج إلى غيره من الشواهد والمتابعات.

وأما الصحيح لغيره فمعناه: إنه لا يصح بنفسه وإنما يصح بغيره، لكن الصحيح لغيره في أصله، هو حسن لذاته، في الأصل حسن لذاته، فإذا جاءه طريق أخرى في مرتبته، أو أقوى منه -صار صحيحا لغيره، فهو صحيح لغيره لوروده من طريق أخرى، وأما لو بقي بنفسه لكان حسنا لذاته، لكن لما جاءه طريق أخرى في مثل قوته، أو أقوى منه -رفعته عن هذه المنزلة إلى درجة الصحيح لغيره، وهذا التعريف، أو تعريف الصحيح لغيره، أو التعريف بعمومه ومنه الصحيح لغيره.

ذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتابه "النكت في مبحث الحديث الحسن" فإنه ذكر أن الحديث الصحيح لعمومه، يعني: بشموله للقسمين: الصحيح لذاته والصحيح لغيره بأنه: "هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل تام الضبط، أو القاصر عنه إذا اعتذر، عن مثله إلى منتهاه، لا يكون شاذا ولا معلا".

فقوله: "أو القاصر عنه إذا اعترض" هذا هو المتعلق بالصحيح لغيره؛ لأن الصحيح لذاته راويه تام الضبط، أما الصحيح لغيره فإن راويه -في الأصل- لا يكون تام الضبط، وإنما هو خفيف الضبط، وهو صاحب الحديث الحسن لذاته، فإذا اعترض، يعني: جاء من طريق أخرى في مثل قوته أو أقوى منه -ارتقى إلى الصحيح لغيره، وأما بقية الشروط المتعلقة بالصحيح لذاته، فلا بد أن تتوفر في الصحيح لغيره.

فعدالة الرواة لا بد أن تكون في الصحيح لغيره بجميع طرقه، واتصال السند لا بد أن يكون صحيحا لغيره من جميع طرقه، وسلامته من الشذوذ والعلة لا بد أن تكون في الصحيح لغيره بطرقه كلها.

بقي الضبط: فراوي الصحيح لغيره في الأصل قد خف ضبطه؛ ولهذا قال ابن حجر، لما ذكر تعريف الحديث الصحيح الذي تقدم لكم، ذكر أن: "راوي الحديث الصحيح لغيره قاصر" يعني: في الحفظ عن راوي الحديث لذاته، الذي هو تام الضبط، فصار عندنا الحديث الصحيح قسمين:

القسم الأول: الصحيح لذاته.

والقسم الثاني: الصحيح لغيره.

ويشتركان في أربعة شروط إلا في الضبط؛ لأن الصحيح لذاته يكون راويه تام الضبط، وأما الصحيح لغيره -ففي الأصل- يكون راويه خفيف الضبط، لكن هذه الخفة تنجبر بورود الحديث من طريق أخرى، وهذان القسمان موجودان بكثرة في الصحيحين؛ ولهذا تجدون بعض الرواة المخرج لهم في الصحيحين، قد تكلم فيهم من جهة الحفظ، لكن الشيخين في الغالب لا يخرجان لهما إلا في المتابعات، ولا يخرجان لهم على سبيل الاحتجاج، وإنما يذكرون هؤلاء الرواة، الذي قد خف ضبطهم في المتابعات.

فإذا اعترض متابع مع متابع مع متابع -ترقى الحديث الصحيح لغيره، صار حديثا صحيحا لغيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير