تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما المرتبة الثانية التي ذكرها المؤلف: فهي أقل من هذه المرتبة، وتمتاز بأن رجالها مخرج لهم في الصحيحين، جميع الرجال المذكورين في المرتبة الثانية، هؤلاء مخرج لهم في الصحيحين، والرجل الذي يُخرج له في الصحيحين، يختلف حاله عمن لم يُخرج له في الصحيحين؛ لأن وجوده في الصحيحين دليل على علو منزلته وأنه من الحفاظ؛ ولهذا بعض أهل العلم ذكروا أن من خرج له في الصحيح على سبيل الاحتجاج -فهو قد اجتاز القنطرة، فلا يتكلم في حفظه، فأقل أحواله أن يكون حسن الحديث، وإن لم يوثقه أحد من أئمة العلم، وإنما قالوا ذلك؛ لأن الصحيحين تداولتها أيدي العلماء ونقدوها، وأظهروا ما فيها من العلل، فلم يجدوا إلا شيئا يسيرا لا يكون ظاهرا مع وفرة أحاديث الصحيحين.

وهذه الصفة أو الوصف الأول الذي فازت به هذه المرتبة: إن الحديث من أهلها، إن أهلها مخرج لهم في الصحيحين، والصفة الثانية: إن أهلها لم يمس أحد منهم بقادح ظاهر، وإن كان على بعضهم ملحظ في الرواية، فمثلا: سعيد بن أبي عروبة ثقة فذ، لكن كان يدلس واختلط في آخر عمره، معمر ثقة فذ، لكن كان إذا حدث في البصرة وهِم، وإذا حدث عن بعض شيوخه: كالأعمش وهشام وثابت يخطئ، ليسوا كالرجال المتقدمين في المرتبة الأولى.

والصفة الثالثة وهي صفة سلب عنهم: أن هذه السلاسل لم يوصف أحد منها بأنه أصح الأسانيد، كما وصف في المرتبة الأولى، اللهم إلا حديث معمر عن همام عن أبي هريرة، هذا وصف بأنه أصح أسانيد اليمانيين، وهذا وصف مقيد ليس مطلقا، وأما الأولون فكان الوصف لروايتهم وصفا مطلقا، بمعنى أن مالكا -مثلا- عن نافع عن ابن عمر، هذه السلسلة عند بعض أهل العلم أصح الأسانيد مطلقا، فلو جئت بحديث أهل الكوفة، أو بحديث أهل البصرة، أو بحديث أهل خرسان، أو بحديث أهل اليمامة، أو بحديث أهل مكة، أو بحديث أهل المدينة -غير حديث مالك- فهذه السلسلة تفضل على جميعها، وكذلك بالنسبة إلى حديث منصور ومن بعده.

فالشاهد أن هذه السلسة أو هذه المرتبة، لم يوصف أحد من هذه السلاسل الموجودة فيها بأنه أصح الأسانيد مطلقا، فصار التمايز بين هذين المرتبتين ظاهر، في كون أهل المرتبة الأولى ليس عليهم أي ملحظ، أما المرتبة الثانية فعليهم ملحظ وإن لم يكن قادحا، لكن صار عليهم ملحظ، والثاني: أن أهل المرتبة الأولى وصفوا بأن أسانيدهم أصح الأسانيد مطلقا، بخلاف المرتبة الثانية، وبهذا ظهر الفرق بين هاتين المرتبتين، وإن كان كل واحد من أهل ... ، أو كل سلسلة من هذه السلاسل، إذا خُرج الحديث بها وصف بأنه صحيح، لكن إذا جاءتنا رواية بحديث الزهري عن سالم عن أبيه، وجاءنا في مقابلها حديث سعيد بن أبي عروض عن قتادة عن أنس -فإننا نقول: "الرواية الأولى أرجح". والروايتان كلتاهما صحيحتان، لكن الرواية الأولى أرجح؛ لأنها امتازت على هذه الرواية بوصف أسانيدها، بأنها أصح الأسانيد مطلقا، وبكون أهلها ليس عليهم أي ملحظ، أما الثانية فعليهم ملحظ ليس بقادح في جميع الأحوال.

أما أهل المرتبة الثالثة: فهؤلاء فيهم، أو في ذكرهم، أو فيما ذكره المؤلف في التمثيل في بعض تمثيله لأهل هذه المرتبة، هذا فيه محل نظر، وكونه يدخل في الصحيح أيضا محل نظر، فضلا عن كونه من مراتب الصحيح.

هذه الأسانيد المذكورة في هذه المرتبة، تبين أن كلام المؤلف في رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس، وجعلها من الصحيح، هذا مما لا يوافقه عليه الحفاظ، فرواية سماك عن عكرمة أعلها العلماء بالاضطراب، فهي من ضعيف حديث سماك وليست من صحيحه، كما أعلها شعبة وعلي بن النديم و يعقوب بن شيبة وآخرون؛ لأن رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس مضطربة، كان يلقن هذه الرواية فيتلقنها:

إذا قيل له: سماك -وهم يقرءون عليه سماك- عن ابن عباس قال: سماك عن ابن عباس، وإذا قيل: سماك عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال كذلك، فهو لا يثبت على حالة، فكان يلقن فيتلقن؛ ولهذا ضعف أهل العلم هذه الرواية، وإن كان سماك على الصحيح، حسن الحديث في روايته عن غير عكرمة، ولكن كونه يدخل في الصحيح بروايته عن عكرمة، هذا مما لا يوافق الحفاظ عليه الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- وإذا كان أهل العلم قد وصفوا هذه الرواية بالاضطراب -فمعناه أنها ضعيفة، وبناء على ذلك فإدخاله في مراتب الصحيح، فيه ما فيه على الإمام الذهبي -رحمه الله- اللهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير