الجواب: مما يعلمه الشيخ حاتم أن الكلام كي يفهم على وجهه لابد أن لا يبتر عن سياقه، لذلك ننقل كلام ابن السمعاني من أوله:" وبيان مذهب الشافعي في هذا الباب أن من اشتهر بالتدليس لا تقبل روايته إذا لم يخبره بالسماع فيقول سمعت أو حدثني أو أخبرني وما أشبهه فأما من لم يشتهر بالتدليس ولم يعرف به ... الخ وهذا السياق يبين أن الكلام المنقول هو شرح لقول الشافعي، وأما رأي ابن السمعاني في التدليس فقد ذكره قبل أن ينقل هذا النقل وفيه تفصيل لم يقل به الشافعي ولا غير الشافعي من أهل الحديث.
وإذا تعارض الكلام المتبنى المنصور والمذكور في موضعه، مع الكلام المنقول عن الغير -والمذكور في غير موضعه- فإنه يقدم الأول لا الثاني.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[30 - 06 - 07, 01:32 م]ـ
ما هو رأي الصيرفي؟:
قال الشيخ حاتم (33): «فهذا أبو بكر الصيرفي (ت330) شارح الرسالة للشافعي، بينما ينقل عنه ابن رجب الحنبلي أنه يشترط العلم بالسماع، ينقل عنه غيره خلاف ذلك، فنقل العلائي وابن رشيد كلاهما عن الصيرفي أنه على مذهب مسلم، وقد وجدت عبارة طويلة للصيرفي تؤيد مذهب مسلم، نقلها عنه الزركشي في البحر المحيط. وبذلك تعلم مقدار ما استولت نسبة ذلك الشرط إلى البخاري على أذهان بعض أهل العلم، حتى ربما فهمت العبارة الواحدة أكثر من فهم».
الجواب: عبارة الصيرفي التي في البحر المحيط (4/ 311) يجوز أن يفهم منها اختياره مذهب مسلم وهي قوله في الدلائل والأعلام: «كل من ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني أو سمعت، ومن قال في الحديث حدثنا فلان عن فلان قبل خبره لأن الظاهر أنه إنما حكى عنه، وإنما توقفنا في المدلس لعيب ظهر لنا فيه»، لكن عند تأملها نجدها لا تدل على ذلك، فإنها سيقت في بيان حكم المدلس الذي لقي شيخه وسمع منه، ومسألة المعنعن مفروضة في غير هذا المحل.
وأما ما جاء في شرح العلل لابن رجب فإنه أصرح وأوضح وهو في الأصل شرح لكلام الشافعي، فقد قال الشافعي: «لا يحدث واحد منهم إلا عمن لقي إلا ما سمع منه فمن عرفناه بهذا الطريق قبلنا منه حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسا» قال ابن رجب (2/ 586): «وقد فسره أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة باشتراط السماع لقبول العنعنة، وأنه إذا علم السماع فهو على السماع حتى يعلم التدليس، وإذا لم يعلم سمع أو لم يسمع وقف فإذا صح السماع فهو على السماع حتى يعلم غيره، قال وهذا الذي قاله صحيح». أي أن الصيرفي بعد شرح كلام الشافعي أيده.
ومنه فكلام الشيخ واستنتاجه تهويل لا معنى له، فابن رجب رحمه الله اعتمد على كلام أصرح من الكلام الذي رجح به الشيخ حاتم ما نقله ابن رشيد والعلائي وأطول منه-فلا أدري لماذا لم يره -، وإن سلكنا مسلك الترجيح رجحنا النص على الظاهر، وما سيق الكلام لأجله على ما سيق الكلام لغيره، فإن الكلام الأول سيق لبيان حكم التدليس كما سبق.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[30 - 06 - 07, 01:34 م]ـ
المسألة الثانية: نسبة القول للبخاري
قواعد واهية:
الأولى: قال (34): «الذي لا يختلف فيه اثنان أن البخاري لم يصرح بالشرط المنسوب إليه … وهذه قاعدة نبني عليها لأنها محل اتفاق».
الجواب: الشيخ من أعلم الناس أن أكثر ما ينسبه المتأخرون والمعاصرون للأئمة المتقدمين غير منصوص، وإنما ثبت عنهم بالاستقراء لمناهجهم في كتبهم وفي التصحيح والتعليل والجرح والتعديل.
فلا معنى لوضع قاعدة لا تطبيق لها إلا في مسألة واحدة التي هي محل النزاع.
الثانية: لا يعتمد على صحيح البخاري
قال (34): «والقاعدة الثانية أن كتاب (صحيح البخاري) لا ينفع في أن يكون دليلا على صحة نسبة ذلك الشرط إلى البخاري».
الجواب: أما هذه القاعدة فهي من أعجب الأمور، ندعو الناس إلى الرجوع إلى الأئمة المتقدمين، فإذا رجعوا إليهم قلنا لهم كتبهم لا تصلح للدلالة على مذاهبهم، كان الواجب عليه أن يقول: من المراجع التي نعتمد عليها "الصحيح"؛ فإن وجدنا أحاديث صححها ولم يتوفر فيها الشرط المذكور علمنا أنه على مذهب مسلم، وإن وجدنا فيه دلائل تؤكد اشتراط السماع واللقاء قلنا به.
ثم إنه إن لم يجد هو هذه الدلائل فغيره قد وجدها، قال ابن حجر في هدي الساري (14): «والبخاري لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة، وقد أظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه وجرى عليه في صحيحه، وأكثر منه حتى إنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئًا معنعنا، وسترى ذلك واضحًا في أماكنه ـ إن شاء الله تعالى ـ» اهـ وانظر مثالا عن ذلك في كتاب التفسير باب (وإذ يبايعونك تحت الشجرة) نقله الدريس في دراسته (93) وقال ابن حجر في شرحه (3/ 452): «وأما الحديث الثاني فأورده لبيان التصريح بسماع عقبة بن صهبان من عبد الله بن مغفل». الطريقة نفسها استعملها في كتاب القراءة خلف الإمام.
ومنه يعلم خطأ ما قرره الشيخ حاتم (37 - 38) من أن ابن حجر ترك الاستدلال بما في صحيح البخاري.
ويزداد التعجب عندما يحجر على نفسه وعلى غيره الاحتجاج بصحيح البخاري على مذهب البخاري، ثم هو يحتج على مذهب البخاري بأقوال الترمذي والطحاوي والدارقطني!!
الثالثة: تضعيف الأقوال بالأولية
ذكر في القاعدة الثالثة أن أول من نسب للبخاري هذا القول القاضي عياض، والشيخ كثيرا ما يضعف الأقوال التي لا يراها بقوله"أول من قال كذا فلان"، فالقول بتساهل العجلي ضعيف لأن أول من قال ذلك المعلمي، وتقسيم الأئمة إلى متساهل ومتشدد ومعتدل ضعيف لأن أول من قسمه الذهبي، وإذا صح هذا فنحن نقول الزعم بأن البخاري على قول مسلم ضعيف لأن أول من زعم ذلك الشيخ حاتم، وانظر في الجواب عنه والاعتذار للقاضي عياض كتاب إجماع المحدثين (166)
¥