الجواب: تنبه إلى أن ذلك على رأي ابن حجر أو من انتقد البخاري.
قال (123):" وسنترك الإجمال إلى البيان، بضرب أمثلةٍ تدل على اكتفاء البخاري في صحيحه بالمعاصرة:"
هي لا تدل على ذلك، إذ لو صح الاستدلال بهذه الأمثلة على اكتفائه بالمعاصرة، لصح أن يستدل بإخراجه لبعض الضعفاء على أنه لا يشترط الضبط، بإخراجه لحديث المدلسين معنعنا على أنه يقبل روايتهم مطلقا، وبإخراجه لبعض المراسيل أنه لا يشترط الاتصال أصلا، ومع ذلك سنناقشها واحدا واحدا.
"المثال الأول: حديثا أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، الأول حديث: ((خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه)). والثاني: حديث حصار عثمان، وما فيه من قصّة حفر بئر رومة وتجهيز جيش العُسْرة.
أخرجهما البخاري في صحيحه: مع نفي كُلٍّ من شعبةَ وابنِ معين سماعَ أبي عبدالرحمن السُّلمي من عثمان رضي الله عنه، ومع قول أبي حاتم الرازي: ((روى عنه ولم يذكر سماعًا))، ورضي الإمام أحمد عن نفي شعبة لسماعه من عثمان."
الجواب: إن من أبجديات البحث العلمي التي تجلت في العصر الحاضر، والشيخ حاتم لا تخفى عليه، أنه لا يشرح كلام عالم وتصرفه بقواعد غيره واصطلاح غيره وآراء غيره، نعم كل هؤلاء نفوا السماع لكن البخاري أثبته، هؤلاء نفوا السماع لأنهم لا يكتفون بقرائن السماع كاللقاء والبخاري يكتفي به، هؤلاء نفوا السماع لأنهم ضعفوا الرواية التي ورد فيها التصريح به والبخاري صححها كل هذه الاحتمالات واردة وتمنع من شرح تصرف البخاري برأي غيره.
ثم نقل العوني دفاع ابن حجر ثم قال (124):" فهُنا يعترف الحافظ أن البخاري إنما كان اعتمادُهُ في تصحيح حديثين لأبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه على المعاصرة وحدها!! "
الجواب: ثمة دفاع أحسن من ذلك يجعله يحذف هذا المثال من طبعته القادمة، قال البخاري في التاريخ (5/ 73):"سمع عليا وعثمان وابن مسعود "، أقول في طبعته القادمة لأني طالعت في هذه الأثناء رده على اللاحم فعلمت أنه لن يتراجع عن رأيه إلا أن يشاء الله، محزن حقا ومؤسف أن نقرأ هذا الكلام الذي ذكره في (139) من الانتفاع:"تالله لو أن البخاري نص على ذلك الشرط في كتابه لصح أن يقال إن ذلك الشرط الذي نص عليه ليس شرطا إلزاميا بدليل عدم التزامه له، ولصح أن يقال إنه شرط كمال لا شرط صحة "، هذا يعني أنها عنزة ولو طارت، ولعله دفعه إلى ذلك غضبه الشديد في مجادلة الشيخ اللاحم سدده الله، ولولا حب الإفادة والاستفادة لما أكملت هذا الرد، ثم وقفت على ما دلني أنه لن يحذف المثال في طبعته القادمة أيضا قال (184 - 183) من الانتفاع:"فما الذي يمنع البخاري بعد أن حكم على رواية السلمي عن عثمان بالسماع بينهما أن يقول سمع؟ ولو لم يقف على السماع، ما دام حكم بالصحة فالاتصال فالسماع بناء على الشروط التي نقل مسلم وغيره الإجماع عليها. إذن فقول البخاري سمع عثمان لا يلزم منه الوقوف على السماع " وإني لا أجد جوابا عن هذا إلا الأسف والأسف الشديد.
قال (125):" المثال الثاني: حديث عروة بن الزبير، عن أمّ سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((إذا أقيمت صلاة الصبح فطُوفي على بعيرك، والناسُ يُصلّون).
ذكره الدارقطني في (التتبُّع)، وقال: ((هذا مرسل))، وبيّن أنه رُوي من طريق عُروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة .. وقال الطحاوي في (بيان مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم): ((عروة لا نعلم له سماعًا من أم سلمة))."
الجواب: أن الدارقطني رحمه الله تعالى أعل الإسناد الموجود في الصحيح بالإرسال ثم بين من وصله، فالحديث عنده ثابت فيما يظهر، قال الدارقطني:" وهذا مرسل ووصله حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة ... ووصله مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب عن أم سلمة في الموطأ "، وهذا السند الأخير لم يفت البخاري فهو في صحيحه، وقد قدمه على الرواية المنتقدة وبينهما حرف العطف "وحدثني" مما يدل على أن البخاري إنما خرج الرواية المرسلة متابعة لغيرها، وليس اكتفاء بالمعاصرة، وهي عنده من الحسن لغيره، وإنما خرجها لاحتياجه للفظ ورد فيها، وهذه عادة البخاري في صحيحه.
وقول الحافظ بأنهما حديثان فهذه طريقة المتأخرين وابن حبان، وقد رضيها حاتم لأن انتقاده لا يستقيم من دونها.
¥